الأزمات الداخلية في الأحزاب واجهت الأحزاب السياسية التي خاضت انتخابات مجلس الشعب الحالية حالة من الاحتقان عشية انتخابات الإعادة تمثلت في خلافات وصراعات وتهديدات بالاستقالة وبالفصل ومطالبات بسحب الثقة من بعض القيادات، لا فرق في ذلك بين الأحزاب التي قررت الاستمرار في معركة الإعادة أو التي اتخذت قرارا بالمقاطعة والانسحاب احتجاجا علي التزوير المطلق والشامل للانتخابات في دورها الأول يوم 28 نوفمبر 2010 أو التي خرجت من المنافسة ولم يعد لها مرشحون في معركة الإعادة. والتفسير السهل لهذه الظاهرة والذي يبدو مريحا للبعض، يرجع هذه الأزمات الداخلية لوحشية وعنف التزوير الذي مارسه الحكم وحزبه المسمي «الحزب الوطني الديمقراطي» في هذه الانتخابات، مستخدما جناحه العسكري «الشرطة»، وموظفي الحكومة الذين تولوا رئاسة وعضوية اللجان الفرعية المسئولة عن التصويت، والبلطجة والمال مع أغلبيته في اللجنة العليا للانتخابات (7 من 11 من أعضاء اللجنة تولي مجلسا الشعب والشوري اختيارهم)، ورغم أن هذا هو السبب المباشر الذي فجر هذه الأزمات، إلا أنه ليس السبب الأساسي أو الأكثر أهمية، فهناك أسباب أخري كامنة في بنية المجتمع والحياة السياسية والحزبية. فمازالت التقاليد الديمقراطية والتي تقوم علي خضوع الأقلية للأغلبية بعد صدور القرار واحترام الأغلبية للأقلية ضعيفة للغاية. ورغم ما يبدو من وجود حوار في المجتمع بين الاتجاهات والآراء المختلفة سواء في الصحف والقنوات الفضائية أو الندوات والحلقات النقاشية، إلا أن المتأمل لهذه الحوارات سرعان ما يكتشف أنها «ضجيج بلا طحن»، فهي أقرب إلي «مكلمة» لا تنتج في الواقع شيئا ولا يترتب عليها - خاصة داخل الأحزاب - مراجعة المتحاورين أو المتابعين لأفكارهم أو مواقفهم. وتعاني الحياة الحزبية من ضعف وغياب الالتزام الحزبي نتيجة للأسباب الثلاثة السابقة، ولميراث نظام الحزب الواحد الذي هيمن علي الحياة السياسية في مصر لمدة 23 عاما متصلة (من يناير 1953 تاريخ حل الأحزاب وحتي مارس 1976 تاريخ عودة التعددية الحزبية المقيدة)، وللهجوم المتواصل ضد الأحزاب وفكرة الحزبية والتعدد. يضاف إلي ذلك ظاهرة المستقلين - وغير المنتمين - في الحياة السياسية والعامة في مصر، والتي تكاتفت عن صحف «خاصة» وقنوات فضائية «خاصة» يملكها ويديرها شخصيات «مستقلة» علي تقديم «المستقلين» غير المنتمين لحزب أو تيار سياسي باعتبارهم النموذج والأكثر موضوعية وصدقا واستقامة، وكأن الشخص المنتمي لحزب والذي يناضل دفاعا عن فكرة ومبدأ وعقيدة سياسية داخل هذا الحزب، سياسي غير موضوعي مواقفه وممارساته محل شك وريبة!. وللأسف فظاهرة المستقلين - وهي ظاهرة مصرية لا يعرفها أي بلد ديمقراطي حديث ومتقدم - قد استفحلت في المجتمع المصري، وفي انتخابات مجلس الشعب الحالية لم يزد عدد المرشحين من الأحزاب علي 1333 من 5064 مرشحا بنسبة 32.26%، ذلك إذا اعتبرنا مرشحي الحزب الوطني (770 مرشحا) حزبيين، فالحزب الوطني طبقا لعلم السياسة والواقع ليس أكثر من تجمع لأصحاب المصالح الخاصة. ويدعم ظاهرة المستقلين والتي تعلي من قيمة الفرد علي حساب الجماعة، نظام الانتخاب الفردي السائد في مصر منذ دستور عام 1923 وحتي اليوم باستثناء انتخابات عامي 1984 و1987 والتي جرت طبقا لنظام مشوه للقائمة النسبية الحزبية. ونظام الانتخاب بالمقاعد الفردية يستبعد عمليا الأحزاب والبرامج السياسية والانتخابية ويعلي من العوامل التقليدية المتخلفة حيث تدور الانتخابات علي أساس مميزات الشخص وانتمائه لعائلة أو قبيلة أو عشيرة وقدرته علي تقديم الخدمات، ويفتح الباب أمام المال السياسي والبلطجة ليصبح لهما الكلمة العليا في الانتخابات. وإذا كان صحيحا أن معرفة المرض هي الخطوة الأولي للعلاج، فالمطلوب من الأحزاب السياسية «الديمقراطية» أن تبادر بالتصدي لأسباب أزمتها الداخلية واتخاذ الخطوات الضرورية للعلاج، وفي نفس الوقت وضع السياسات والبرامج لمواجهة نتائج انتخابات 2010 والتي أدت إلي إخراج أحزاب المعارضة خارج مؤسسات اتخاذ القرار، والتي يجب أن تقوم علي أساس استخدام كل الأساليب الديمقراطية الأخري بالخروج من المقرات والنزول للشارع وتنظيم الجماهير وإقناعها ببرامج التغيير، من خلال توزيع البيانات وعقد المؤتمرات الجماهيرية وتنظيم الوقفات الاحتجاجية والمسيرات السلمية، وصولا إلي العصيان المدني عندما تتوافر شروطه. وهذا هو التحدي الحقيقي الذي تواجهه أحزابنا بعد جريمة تزوير انتخابات مجلس الشعب 2010.