ونمضى مع عبدالناصر، فبعد أن تابعناه عاشقا ولهانا ومحتشما وخطيبا ثم زوجا لتحية كاظم يحترمها وتحترمه وأب مفعم بالحنان والصرامة مع الأولاد.. نأتى عبدالناصر الحاكم، الذى تفوق على كل من حكموا مصر من قبله فى احترام حقوق المرأة واعتبارها جزءا من حقوق الوطن.. واضعا لها أسس شراكة حقيقية فى إطار المجتمع المصري.. فقد أعلن أكثر من مرة وفى أكثر من خطاب «إن المرأة نصف المجتمع وأن عليها مسئولية كبرى لمشاركة الرجل فى بناء الوطن» (خطاب لعبدالناصر فى معسكر المعلمات بالورديان بالإسكندرية 4 – 8 – 1955)، وفى عام 1956 صدر دستور جديد لمصر أقر ولأول مرة السماح للمرأة بالمشاركة الكاملة فى الحقوق السياسية وأقر بالمساواة بين المرأة والرجل وأعطاها الحق فى المشاركة فى الانتخابات ترشيحا وانتخابا، ونصت المادة الأولى من القانون 73 لسنة 1956 أنه «على كل مصرى ومصرية بلغ سن ثماني عشرة سنة ميلادية أنه يباشر بنفسه الحقوق السياسية» وهى الاستفتاء على رئاسة الجمهورية وكل استفتاء آخر ينص عليه الدستور، وانتخاب أعضاء المجالس النيابية، ونتيجة لذلك شاركت المرأة المصرية ولأول مرة فى انتخابات مجلس الأمة 1957 كناخبة وكمرشحة حيث تقدمت للترشيح خمس سيدات لعضوية المجلس فازت منهن مرشحتان وهما الآنسة راوية عطية والسيدة أمينة شكري، ونلاحظ أن من المرشحات غير الفائزات الصحفية منيرة ثابت التى رشحت نفسها عن الدائرة الثالثة بالقاهرة «الزيتون ومصر الجديدة» ولكن صدر قرار من الاتحاد الاشتراكى بغلق الدوائر التى يترشح فيها وزراء فأغلقت دائرتها على الوزير فتحى رضوان وزير الإرشاد القومى آنذاك.. أما سيزا نبراوى المناضلة اليسارية فقد ترشحت فى دائرة مصر القديمة حيث واجهت المذيع الأشهر أحمد سعيد الذى كان صوته صارخا دائما فى صوت العرب، وتصف إنجى أفلاطون ما جرى فى انتخابات هذه الدائرة بأنه تزوير فاضح، فقد منع مندوبو سيزا نبراوى وأغلبهم من اليساريين من دخول اللجان أو الحضور فى عمليات التصويت والفرز وتم التزوير علنا لصالح أحمد سعيد» (إنجى أفلاطون مذكرات – «1993» – ص174) وتواصل حرص عبدالناصر على منح المرأة كل فرص المساواة وخاصة فى السلم الإدارى والوظيفى والعمالة فى مؤسسات القطاع العام، وقد حرص الميثاق الوطنى على تأكيد هذه المساواة وعلى ضرورة تحرير المرأة وتقديم كل أوجه الرعاية لها، وجاء فيه «إن المرأة لابد أن تتساوى بالرجل، ولابد أن تسقط بقايا الأغلال التى تعوق حركتها، حتى تستطيع أن تشارك بعمق وإيجابية فى صنع الحياة الجديدة» وبدأت المرأة على الفور فى تولى عديد من الوظائف القيادية فى القطاع العام والحكومة وأجهزة الإدارة المحلية، وصدرت تشريعات وظيفية طبقت فى الجهاز الحكومى مبدأ المساواة بين العامل والعاملة وانطباق شروط متماثلة لشغل الوظائف العامة من حيث التساوى فى الأجر والعلاوات وضوابط الترقية إلى الوظائف الأعلى وتحديد الأقدميات وصرف البدلات والمزايا النقدية والتعويضات، ونالت المرأة وبنصوص قانون الحق فى إجازة وضع مقدارها أربعون يوما مدفوعة الأجر مع حقها فى ساعة رضاعة تخصم من ساعات العمل المقررة لمدة عام. كما أمر عبدالناصر بالاهتمام بإنشاء دور للحضانة للعاملات سواء فى المصانع أو فى مختلف الأحياء وتولت وزارة الشئون الاجتماعية إنشاء وإدارة عدد كبير من دور الحضانة ذات الرسوم المخفضة جدا، وفى عام 1962 كانت هناك أول وزيرة فى تاريخ مصر وكل العالم العربي، ومن الطريف أن نورد ما ذكره الصحفى مصطفى أمين من أن عبدالناصر طلب منه تقديم بعض المعلومات من أرشيف أخبار اليوم عن أشهر سيدات مصر فى ذلك الوقت ليختار منهن وزيرة فقدم له مصطفى أمين قائمة بعشرة أسماء مرفق بها المعلومات عن كل منهن، وكانت أم كلثوم على رأس القائمة إذ رشحها مصطفى أمين لتولى وزارة الثقافة وبرغم أن عبدالناصر كان يكن تقديرا كبيرا لأم كلثوم وخاصة أنها أسهمت فى دعم الثورة بأغانيها الوطنية لكنه فضل اختيار رقم عشرة فى القائمة وهى الدكتور حكمت أبوزيد لتخصصها فى علم الاجتماع الذى يتلاءم مع منصبها كوزيرة للشئون الاجتماعية. ومع ذلك فقد ظلت علاقة عبدالناصر حميمة بأم كلثوم ويقال إنه هو الذى طلب التقاء قمتي الفن أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب فى أغنية واحدة وكانت أغنية «انت عمري» وتلتها أغنيات أخرى (سامى شرف. عبدالناصر وكيف حكم مصر «1996» – ص305) ويروى حنفى المحلاوى قصة أخرى وهى أنه خلال عدوان 1956 أرسل عبدالناصر زوجته وأولاده للإقامة فى فيلا أم كلثوم حيث توقع أن تتجنب طائرات العدوان الثلاثى حى الزمالك حيث أغلب السفارات وفيلا أم كلثوم لشعبيتها الجارفة فى كل الوطن العربى «حنفى المحلاوي.. سيدتان من مصر، خفايا الصراع وأسبابه – «1994» – ص155). ومع مجانية التعليم الجامعى انفتحت آفاق أوسع أمام الفتيات للتعلم الجامعى حيث الأسر الفقيرة والمتوسطة تعطى الأولوية لإدخال الأبناء الذكور فى الجامعة فى حالة عدم تحمل مصروفات تعليم أكثر من ابن، وهكذا وبعد سنوات قليلة امتلأت أركان العمل الوظيفى والإدارى والأكاديمى بالسيدات، وكذلك نهضت المرأة العاملة وشاركت فى الحركة النقابية، وفى 1957 اختيرت النقابية عايدة فهمى ولأول مرة فى مصر عضوة فى المجلس الاستشارى الأعلى للعمل والعمال» (أحمد طه أحمد – المرأة، كفاحها وعملها «1964» ص89)، كذلك فقد حرص عبدالناصر على فتح أبواب التعليم الأزهرى أمام البنات فأنشئت كلية البنات الإسلامية عام 1962» (عبدالمنعم الجميعى – صفحات من تاريخ المرأة المصرية فى العصر الحديث – 2007 – ص68).. ويرحل عبدالناصر بعد كل هذه الإنجازات تاركا وضع المرأة المصرية وقد حقق انطلاقة غير مسبوقة، ويأتى من بعده لتتآكل مكاسب عدة خاصة تلك المتعلقة بالبعد الاجتماعي، ثم تكون الهجمة التتارية المتخلفة التى حاولت تجريد المرأة من حقوقها المكتسبة والتى اعتبرت أن دعاة تحرير المرأة ومساواتها بالرجل مجرد علمانيين لا دينيين بمن فيهم بل وعلى رأسهم عبدالناصر.