بعد شهور من الاعتصامات العمالية للمطالبة بحقوقهم ومظاهرات لعدد كبير من الشركات وإصرار احتجاجات منظمات حقوق الإنسان بعد مقتل الشاب خالد سعيد في الإسكندرية المعروف باسم «شهيد الطوارئ»، أطلقت الحكومة، وبالتحديد وزارة التنمية الاقتصادية بالتعاون مع البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، تقرير التنمية البشرية الحادي عشر هذا الأسبوع، وفي الوقت الذي تشهد فيه مصر حراكا سياسيا واقتصاديا.. إلا أن عددا كبيرا من المشاركين في إطلاق التقرير وبالتحديد من منظمات المجتمع المدني أبدوا حيرة شديدة لها ما يبررها عندما اختار المسئولون عنوان التقرير مصر - تقرير التنمية البشرية.. شباب مصر: بناة المستقبل. وفي الحقيقة فإن مبعث حيرة بعض منظمات المجتمع المدني.. لماذا الآن في وسط هذه الأزمات والحراك السياسي والاقتصادي والاجتماعي يحمل التقرير عنوانا ربما يكون شعارا لمؤتمر أو اجتماع من اجتماعات الحزب الوطني. شباب مصر.. بناة المستقبل، فهل انتهت مشاكل الخريجين.. والعمال في الشركات العامة والخاصة هل انتهت البطالة، والفقر في بر مصر.. وأخيرا هل ستظل معدلات النمو الاقتصادي.. هي الحاكمة لصورة مصر؟ وفي الحقيقة إذا كانت الحكومة والمسئولون يرون أن معدلات الأداء الاقتصادي.. هي سمعة مصر في الخارج.. فإن هذه المؤشرات يقف وراءها.. مشاكل المجتمع المصري كاملة. لكن رغم ذلك لا يمكن أن ننكر ماجاء في التقرير سواء من إيجابيات أو حتي السلبيات.. وإن كان من الملاحظ لأول مرة.. أن يتناول التقرير حركات الاحتجاج لبعض الجماعات ومنها جماعة 6 أبريل. لقد فجر د. عثمان محمد عثمان وزير التنمية الاقتصادية قضية في غاية الخطورة بغض النظر عما إذا كانت بقصد أو دون قصد عندما قال إن النمو الاقتصادي مهم.. لكن لن يكفي وحده لتحسين أحوال الناس.. وتعودنا أنه دون النمو لن نستطيع أن ننجز العديد من مؤشرات التنمية.. وقال هذه الحقيقة.. ولابد أن يعود معدل النمو علي جميع الشرائح والطبقات. لم يتوقف الأمر عند ذلك الحد كما قال د. عثمان محمد عثمان - بأن النمو الاقتصادي السريع - وإن كان شرطا ضروريا للنهوض بمستويات التشغيل إلا أنه ليس شرطا كافيا.. وبالتالي هناك حاجة لتبني استراتيجية تستهدف تحقيق النمو المرتفع مع التشغيل. لكن علي الجانب الآخر يبدو أن رئيس الوزراء قد آثر الرد عندما قال إن حكومته تعمل من خلال رؤية تنموية شاملة بل وتسعي لتحققها رغم التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.. وقال إن استراتيجية حكومته تقوم علي الحفاظ علي معدلات مرتفعة للنمو والتشغيل وضمان مستويات أعلي من العدالة الاجتماعية ومكافحة الفقر. لكن يبدو أن ما كان يدور من همس في القاعة حول الفقر والبطالة، والأوضاع الاجتماعية قد نما إلي علم المسئولين لدرجة أن د. عثمان محمد عثمان قال إننا كنا «ننكسف» في مصر من استخراج مصطلح الفقر، اليوم عندنا دراسات لقياس الفقر ومعدلاته وتأثيراته علي الطبقات الفقيرة. وقد تلاحظ في التقرير الأخير أنه تم التطرق لجميع القضايا من فقر وبطالة وقضايا اجتماعية وسياسية وحتي الاقتصادية.. لكن بالقياس علي الشباب والشريحة العمرية من 18 سنة حتي 29 سنة، ولذلك ليس غريبا أن تجد فصول التقرير جميعها الستة عشر تحمل كلمة الشباب زائد عنوان الفصل مثل الشباب والقيم الاجتماعية، الفقر وإقصاء الشباب.. المشاركة الاجتماعية والشباب، دور الشباب في تحقيق الإدارة الرشيد وصل الأمر إلي حد مناقشة الصحة والتغذية والأمن البيئي للشباب. لكن بعيدا عن هذا وذاك نجد أن التقرير تطرق ربما للمرة الأولي إلي هجرة شباب المصري وعلي الرغم من أن الكثير من هؤلاء الشباب يتطلعون إلي الهجرة فإن قليلا منهم ينجح في ذلك فعلا وقال التقرير إن 15% من الشباب المصري في الفئة العمرية (18 - 29 سنة) يتطلع إلي العيش والعمل في الخارج ، لكن 6.1% فقط ينجحون في ذلك، ومن المعروف أن الهجرة من مصر تتمثل أساسا في المهاجرين إلي البلاد العربية في حين أن نسبة الشباب المصري الذي يعود من الدول الأوروبية ضئيلة جدا. وحول الدوافع الاقتصادية للهجرة قال التقرير إن 95% من المهاجرين يرون أن الحصول علي المال هو الدافع الأساسي لها.