علي شاشة قناة الغد، رأيت أبا وابنيه يشكون من الحصار الخانق عليهم من القوات الاسرائيلية، ويشكون من محاولاتها تعقبهم لأجل دفعهم إلي ترك منزلهم والرحيل عن مدينتهم التي بدأ المستوطنون يغزونها، كان هذا الحصار والعنف في منتصف عام 2021، أي منذ عامين ونصف فقط، بعد انتهاء الحصار استمر التعقب والعنف والتضييق علي حياة الناس في كل مكان وهو ما رأيناه قبلها بعام في مهرجان الجونة عبر فيلم مهم هو «200 متر» كتبه وأخرجه المخرج الفلسطيني الشاب «أمين نايفة» وفيه رأينا قصة واقعية عن أب يفصل بينه وبين المنزل الذي تعيش فيه زوجته وأسرته 200 متر فقط وسور وبوابة، والسبب أن الزوجة تنتمي لأسرة من الفلسطينيين الذين عاشوا في قرية قديمة، فلما جاءت النكبة واستولت اسرائيل علي هذه المناطق فرضت الجنسية الاسرائيلية علي الجميع، أما سكان الضفة الغربية، فقد احتفظوا بهويتهم العربية، وفصلت الدولة الجديدة بينهم بجدار عنصري عازل، وبوابة للعبور، ولان«مصطفي» الاب فلسطيني الباسبور، فهو يزور زوجته «صاحبة الباسبور الإسرائيلي» وأولاده بعد المرور علي البوابة، لكن ما يعوضه هو بيته القريب من الجدار أمامهم، وحيث يسمح له برؤيتهم قبل النوم عبر البلكونة، لكنه يتلقي تليفونا بوقوع حادثة لطفله الصغير، فيجري لأقرب سيارة للذهاب نحوهم ولكنهم، أي حراس البوابة، يرفضون مروره بحجة واهية، ويعود ليبحث عن طريقة أخري للدخول، ويشكو لصديق له، ويشرح الصديق الموضوع لصديقته الأوروبية التي تنفعل لموقف لم تسمع عنه من قبل في أي مكان ذهبت اليه بالعالم، ويعود مصطفي من جديد للبوابة في سيارة اخري معهما، وقد أخذ كل منهم يفكر في جنود الاحتلال، وهل يسمحون للأب بالمرور لنجدة ابنه هذه المرة، ام لا؟ فيلم تأثر به الجميع فى مصر، ومن قبلها في مهرجان «ڤينيسيا» الإيطالي، أما في مهرجان القاهرة السينمائي، فقد رأينا عددا من اهم الافلام التي تطرح قضايا الاحتلال الاسرائيلي وما فعله بالمواطنين الفلسطينيين الذي قرر الاستيلاء علي ارضهم وبيوتهم ومحاولة تهجيرهم بكل الوسائل،أفلام لميشيل خليفي، وهاني ابو اسعد، ورشيد مشهراوي، وإيليا سليمان، ونجوي نجار، وآن ماري جاسر وغيرهم من صناع الافلام التي قدمت الكثير عن الحياة في فلسطين بعد الاحتلال، وما يفعله المحتل لمحو الهوية الفلسطينية، او الاستيلاء علي ما تبقي من الأراضي لدي الفلسطينيين والإسراع بهدم مبانيها لبناء المستوطنات، وإخلاء البلد تماما من أهلها، ويذكر الناقد عماد النويري في كتابه «القدس في السينما» الذي اصدره مهرجان الإسكندرية السينمائي الدولي عام 2016 ان للسينما الفلسطينية آباء مثل مصطفي ابو علي وهاني جوهرية، وكثيرون غيرهم قدموا أفلاما وثائقيّة أرّخت للمكان والزمان والمعالم، خاصة في المدينة المقدسة، وعن فلسطين كبلد قبل أن تاتي النكبة لتتحول الافلام إلي رفض الاحتلال وتوثيق انتفاضات الفلسطينيين بعدها، وهو ما تصاعد بين عقدي الخمسينيات إلي الثمانينات ليقدم تفاصيل حياة المواطن الفلسطيني في بلده، ولكن، بعد أن سيطرت عليه قوة احتلال غاصبة، وكيف تقوده ذكريات الماضي وأحلام العودة الي محاولة الإمساك بكل الخيوط الممكنة لاستعادة هذا الزمن، وغير الافلام التي قدمها الفلسطينيون عن معركتهم بعد الاحتلال، قدمت السينما المصرية والسورية واللبنانية أفلاما عديدة ومهمة عن فلسطين، وايضاً السينما الاوروبية وكان اولها فيلم للمخرج الفرنسي بول لوي سوليبه بعنوان «فلسطين» تسجيلي مدته ساعة ونصف والذي اصبح وثيقة مهمة لمحاولات إقصاء واغتيال الشعب الفلسطيني، وأفلام فرنسية أخري وأفلام تحمل جنسيات المانية وإيطالية ودنماركية وهولندية وبلچيكية، ولكن كان أكثرها تأثيرا في الضمير العالمي فيلم إنجليزي بعنوان «الفلسطيني» مدته ثلاث ساعات، أنتجته وقدمته النجمة العالمية الشهيرة «ڤانيسا رد جريف»، وأخرجه روي باترسون، وصور في أعقاب معركة تل الزعتر، «اغسطس 1976» وقدم مسحا شاملا وقاسيا لأحوال الفلسطينيين في ظل صمودهم الأسطوري في هذه المعركة، وفي نهاية الكتاب يقول عماد نويري «ان هذه الافلام أدت للقضية الفلسطينية، بل للقضايا العربية خدمات جليلة، وقامت بدور لم يتمكن الإعلام العربي، من القيام به دعما للحق العربي، فقد صنعت بأيد أوروبية تعرف كيف تتوجه إلي الضمير الأوروبي، كما انها تقدر من ناحية التوزيع علي ما لا تقدر عليه الافلام العربية التي أنتجتها هيئات عربية، فهي عندما لاتعرض عرضا تجاريا في الصالات العامة، يقدمها منتجوها الاوربيون في عروض خاصة داخل التجمعات العمالية والطلابية، وقد يتمكنون من عرضها في بعض قنوات التليفزيون» رؤية مهمة، أظن أنها جزء مما نراه الان من تفاعل دولي عام في كل مكان في العالم ضد الاعتداء الاسرائيلي الغاشم علي غزة ومحاولة طرد الشعب الفلسطيني من أرضه، بالطبع لا يمكن إغفال تأثير ماتنقله قنوات التلفزيون يوميا، وكذلك السوشيال ميديا، ولكن لا يمكن ايضا للشعوب أن تنسي ما رأته من أفلام عن نفس القضية في السنوات السابقة، وبعضها قريب جدا، فالأفلام الصادقة تبقي في الذاكرة مهما مرت السنون، خاصة، حين تطرح القضايا العادلة كقضيتنا الفلسطينية.