ماذا يفعل الناس في غزة قبل هذه الحرب؟ وهل الأمر اختلف كثيرا بعد الحرب؟ الإجابة عن السؤال الأول قدمها فيلم وثائقي عرضته قناة البي بي سي العربية صباح أمس الثلاثاء ضمن برنامجها «عن قرب»، والفيلم يقدم لك واقعا صعبا، بل ومرعبا حول الحصار الاسرائيلي لغزة عام 2018، أي من 6 سنوات، ويؤكد من خلال حوارات مع مواطنين هناك أن مليونا وتسعمائة الف إنسان يعيشون حالة من الاكتئاب والخوف المسيطر عليهم وعلي المدينة، «الفيلم صور في الفترة من 15 مارس الي 30 مايو 2018» أي شهرين ونصف من المعايشة لحالة اهل غزة من فريق العمل «وأغلبه إنجليزي بقيادة كريستين چير الدين»، ويقدم الفيلم أرقامًا منها أنه في هذا العام «2018»، وعلي يد القوات الإسرائيلية، قتل 115 من أهل غزة، وجرح 12 ألفا و227 رجلا وامرأة وطفلا، «وجرح جندي اسرائيلي واحد» ويذكرنا الفيلم بما حدث وعرفه العالم وقتها من عدوان وحصار علي اهل غزة، ومع ذلك لم يتحرك أحد لنجدة هؤلاء المحاصرين وإغاثتهم!. احنا ميتين بالحياة يأخذنا الفيلم في البداية إلي ما يعانيه الناس في غزه ويسيطر عليهم وهو الخوف وما يتبعه من مشاعر سلبية من خلال ما فرضه الحصار الاسرائيلي عليهم، ويحلل واحد منهم، وهو طبيب نفسي من غزة، الحالة هكذا «الناس هنا لديها عقد نفسية منتشرة بسبب توجعات كثيرة تواجهها»، أما الشاب محمود فيلخص كلماته هكذا «احنا ميتين بالحياة، بدي حريتي، بدي أشتغل، نحن مرضي نفسيين»، ويطرح ثالث مشكلة يعانيها الكل وهي التلوث البيئي والسمعي والبصري «حتي تلوث البحر لأنه لا يوجد الان صرف للمياه التي يستخدمها السكان، فيتم صرفها في البحر»، اما عاشت، الفتاة الصغيرة، والتي شهدت حربين في حياتها فتقول لنا بثبات عبر الكاميرا «كل يوم نصحي علي كوابيس، صرنا نحكي عن الحرب اكتر ما نحكي عن الحياة»، اما احمد الذي رأينا وجهه في البداية فيكشف لنا الفيلم عن كامل صورته قبل النهاية لنراه فاقدا لأحد ساقيه «تم بتر رجلي الشمال بعد صاروخ نزل علينا وأعيش الان في ضعف نفسي واكتئاب»، وبين مشاهد البؤس الإنساني يعود من جديد نداء الطبيب النفسي متمنيا الوصول الي نوع من الأمان يقي المجتمع من صدمات مستمرة مؤكدا ان الحل النفسي هو حل فردي «ولكننا نحتاج لحل سياسي للجميع»، حل ينقذ أهل غزة من ارتفاع عدد القتلي بينهم من النيران الإسرائيلية، «ولهذا يخشي السكان من حرب بين اسرائيل وحماس»، وينتهي الفيلم بمحمد وهو يودع امه قبل السفر الي تونس بتأشيرة يأخذها للمرة السادسة بعد ان فشلت التأشيرات الخمسة السابقة في عبوره وهو الذي وضع آماله في الحياة في الخروج من هذا الحصار الذي يجعل الانسان «محبوسا داخل جدارية» لنراه في المعبر، هو وغيره، في حالة انتظار طويل، وبلا أمل. وهكذا يقدم لنا هذا الفيلم، حالة مدينة وأهلها بما لا يمكننا إلا توقع ما هو قادم، فإذا كانت القذائف الاسرائيلية تنهال عليهم دائما لتقتل أو تنهش البعض، وإذا كان الخوف والاكتئاب هو المناخ السائد، وإذا كان الامل ضائعا، منذ سنوات، فإن ما يعيشه سكان غزة اليوم هو النسخة الأكبر من الحرب الإسرائيلية عليهم، وسواء دخلت حماس، أم لم تدخل، فقد كانت غزة وأهلها فريسة لجيش الاحتلال أمام عالم فقد محركيه إنسانيتهم تماما.