أثناء انعقاد قمة مؤتمر العشرين في نيودلهي أصدر مركز بحثي صيني في بكين تصريحًا يدين الهند في محاولتها للاستفادة من دورها كمضيف لقمة مجموعة ال20 لتعزيز أجندتها الخاصة والإضرار بمصالح الصين. وتأتي الانتقادات التي وجهها المركز الصيني للعلاقات الدولية المعاصرة، التابع لوزارة الداخلية الصينية، في الوقت الذي بدأ فيه قادة مجموعة ال20 قمتهم السنوية التي استمرت يومين في العاصمة الهنديةنيودلهي، مع عدم حضور الرئيس الصيني شي جين بينغ. رفض المسئولون الصينيون تفسير غياب الرئيس الصيني, مشيرين إلى حضور رئيس مجلس الدولة لي تشيانغ ممثلًا رفيع المستوى عن الصين. صرح مركز الأبحاث كذلك بإن الهند تحاول استخدام مسألة إعادة هيكلة الديون لمهاجمة الصين في مباحثات القمة، وتعاونت بشكل متكرر مع الولاياتالمتحدة والغرب في الترويج لنظرية "فخ الديون الصينية"، عندما عرضت بكين قروضًا للدول الفقيرة لبناء البنية التحتية اللازمة مثل الموانئ أو الطرق. وأضاف أن تحرك الهند يمكن أن "يخلق المزيد من الخلافات والانقسامات، ويعيق المجتمع الدولي عن التوصل إلى توافق في الآراء ونتائج جوهرية، وسوف يسبب في نهاية المطاف ضررًا لصورتها الدولية. كان هذا التصريح مؤشرًا عن توتر صيني هندي قائم قبل وأثناء انعقاد القمة, ثم سرعان ما تأكد هذا التوتر مع إعلان الهند لمبادرتها مع الدول المشاركة في القمة لإنشاء ممر اقتصادي عالمي, يربط بين الهند والشرق الأوسط لأوروبا. أطراف المبادرة المشروع ينطلق من الهند بحرًا إلى دولة الإمارات ثم برًا في السعودية، ومنها إلى الأردن وإسرائيل عبر خط سكة حديد، ثم بحرًا وصولًا إلى اليونان ومنها إلى أوروبا برًا. وبالتالي فإن دول الشرق الأوسط المشاركة في هذا الممر هي الإمارات والسعودية والأردن وإسرائيل. ورغم أن الولاياتالمتحدة طرف رئيس في الاتفاق، إلا أنها طرف راعٍ ومستثمر ولا يشملها الممر الاقتصادي. وتهدف خطة المشروع إلى ربط دول الشرق الأوسط بالسكك الحديدية وبالهند عبر خطوط ملاحية من موانئ المنطقة. وهو بذلك يتضمن شقين في البنية التحتية، الملاحة البحرية والسكك الحديدية. يتألف المشروع من ممرين منفصلين هما: "الممر الشرقي" الذي يربط الهند مع الخليج العربي و"الممر الشمالي" الذي يربط الخليج بأوروبا. ووفقًا للخرائط الأولية غير رسمية، فإن الممر الشرقي يبدأ من موانئ الهند إلى الإمارات العربية المتحدة، ثم يشق طريقه داخل السعودية عبر خطة سكة حديد تعبر الأردن ومنها إلى إسرائيل حتى ميناء حيفا. ثم يستكمل الممر طريقه إلى أوروبا بحراً حتى اليونان. وسيعمل المشاركون على تقييم إمكانية تصدير الكهرباء والهيدروجين النظيف لتعزيز سلاسل الإمداد الإقليمية كونه جزءًا من الجهود المشتركة لخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري ودمج جوانب الحفاظ على البيئة في المبادرة. ودعمًا لهذه المبادرة تتطلع الدول المعنية بكل ممر إلى العمل الجماعي لتنفيذ المبادرة وإنشاء كيانات تنسيقية لمعالجة مجموعة كاملة من المعايير التقنية والتصميمية والتمويلية والقانونية والتنظيمية ذات الصلة. لم تحدد الولاياتالمتحدة مقدار مشاركتها في المشروع حتى الآن، ولم تقدم أي تفاصيل عن تكلفة المشروع أو تمويله. إلا أن عاموس هوشستين، منسق إدارة بايدن للبنية التحتية العالمية وأمن الطاقة، وضع جدولاً زمنيًا تقريبيًا للمشروع خلال العام المقبل. وفي الستين يومًا المقبلة، ستقوم مجموعات العمل بوضع خطة وتحديد جداول زمنية. ستتضمن المرحلة الأولى تحديد المجالات التي تحتاج إلى الاستثمار وحيث يمكن ربط البنية التحتية المادية بين الدول حسب تصريحه. تم الإعداد للمشروع منذ يوليو 2022 حيث تحدث بايدن عن الحاجة إلى مزيد من التكامل الاقتصادي الإقليمي من دون أن يفصح عن شيء. وفي يناير الماضي، بدأ البيت الأبيض بإجراء محادثات مع الشركاء الإقليميين، وفي مقدمتهم دولة الإمارات، حول هذا الطرح. وبحلول الربيع، كانت تتم صياغة الخرائط والتقييمات للبنية التحتية الحالية للسكك الحديدية في الشرق الأوسط. وقام مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان، وكبار مساعديه في البيت الأبيض هوشستاين وبريت ماكغورك، بجولة في مايو للقاء نظرائهم الإماراتين والسعوديين والهنود. ووصفت رئيسة المفوضية الأوروبية فون دير لاين، المشروع بأنه "تاريخي" وباعتباره "ممرًا اقتصاديًا بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا من شأنه أن يجعل التجارة بين الهند وأوروبا أسرع بنسبة 40%. يهدف المشروع إلى تيسير عملية نقل الكهرباء المتجددة والهيدروجين النظيف عبر كابلات وخطوط أنابيب وكذلك إنشاء خطوط للسكك الحديدية. ويهدف أيضًا إلى تعزيز أمن الطاقة، ودعم جهود تطوير الطاقة النظيفة، إضافة إلى تنمية الاقتصاد الرقمي عبر الربط والنقل الرقمي للبيانات من خلال كابلات الألياف البصرية، وتعزيز التبادل التجاري وزيادة مرور البضائع من خلال ربط السكك الحديدية والموانئ. وقال جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي الأمريكي، إن البنية التحتية المتطورة ستعزز النمو الاقتصادي وتساعد على جمع دول الشرق الأوسط معًا وترسيخ وضع المنطقة كمركز للنشاط الاقتصادي. يأتي الإعلان عن المشروع في وقت تشارك فيه الولاياتالمتحدة في منافسة اقتصادية وجيوسياسية مع الصين. كجزء من الجهود المبذولة لمواجهة الصين، ذكرت صحيفة فاينانشال تايمز مؤخرًا أن إدارة بايدن تعمل على توسيع قدرة الإقراض للبنك الدولي بمقدار 25 مليار دولار للبلدان المتوسطة والمنخفضة الدخل. أطلق الرئيس الصيني شي جين بينغ مشروع مبادرة الحزام والطريق، في عام 2013. من خلال المبادرة، تهدف الصين إلى إنشاء شبكة واسعة من السكك الحديدية وخطوط أنابيب الطاقة والطرق السريعة لربط البلدان عبر آسيا وأفريقيا وأوروبا وأمريكا اللاتينية. ووفقًا لوزارة الخارجية الصينية، فقد وقعت وثائق تعاون للمشروع مع أكثر من 150 دولة و 30 منظمة دولية. والجدير بالذكر أن الإعلان عن المبادرة الهندية يأتي قبل شهر من مؤتمر مبادرة الحزام والطريق الثالث الذي يعقد في بكين هذا العام. أكدت الصين أن حوالي 90 دولة ستشارك في المؤتمر الذي سيعقد في أكتوبر. ومن بين الحاضرين الرئيس الصربي ألكسندر فوسيتش والرئيس الأرجنتيني ألبرتو فرنانديز. وفي هذا السياق تلقت مبادرة الحزام والطريق الصينية صدمة الشهر الماضي عندما أعلنت إيطاليا أنها تتطلع إلى الانسحاب من المشروع. ووصف وزير الدفاع الإيطالي قرار مبادرة الحزام والطريق في عام 2019 بأنه "قرار سيء". ومع ذلك، قالت رئيسة الوزراء الإيطالية جيورجيا ميلوني في قمة مجموعة ال 20 إنه لم يتقرر ما إذا كانت البلاد ستتخلى عن المبادرة.. كانت مبادرة الحزام والطريق أيضا نقطة خلاف رئيسية بين الهندوالصين حيث من المخطط أن تعبر أجزاء من الممر الاقتصادي عبر كشمير الهندية التي تحتلها باكستان, وهو بمثابة إعلان عدائي بالنسبة للهند. من المتوقع أن تنفق الصين 8 تريليونات دولار على المشروع، ووفقًا للتقديرات، أنفقت الصين بالفعل أكثر من تريليون دولار. وتحاول الهند، من خلال مبادرة مبادرتها المناوئة، تعويض آثار مبادرة الحزام والطريق بإقامة صلة مباشرة مع بعض شركائها التجاريين الرئيسيين. لكن هل يستطيع الممر الهندي الأوروبي برعاية أمريكية ان يواجه مبادرة الحزام والطريق فعلًا؟ تتكون مبادرة الحزام والطريق من عنصرين رئيسيين-الحزام الاقتصادي لطريق الحرير، الذي يركز على الطرق البرية التي تربط الصين بأوروبا عبر آسيا الوسطى والشرق الأوسط، وطريق الحرير البحري للقرن 21، الذي يركز على الطرق البحرية التي تربط الصين بجنوب شرق آسيا وجنوب آسيا وأفريقيا. نلاحظ هنا أن هذا المسار البحري هو الذي يتعارض مع مشروع الممر الهندي لأوروبا, بينما لا تتعارض المبادرة الهندية مع المسار البري للحزام والطريق. على مدى العقد الماضي، وقعت الصين أكثر من 200 وثيقة تعاون تتعلق بمبادرة الحزام والطريق مع 152 دولة و 32 منظمة دولية، تغطي 83% من الدول التي تقيم معها الصين علاقات دبلوماسية. وأنجزت الصين عددًا كبيرًا من الاتفاقيات والشراكات الاقتصادية في منطقة وسط آسيا من جانب, أي الطريق الشمالي من الصين لأوروبا, وهي المنطقة التي لا تملك فيها الهند مجالات كبيرة للتعاون لاعتبارات مختلفة. وجنوبًا أمنت الصين كثيرًا من التفاهمات والتحالفات في القارة الأفريقية, في إطار الدول المشاركة في الحزام والطريق كذلك, حيث يمتد الربط الاقتصادي الذي تطمح له المبادرة إلى ما يزيد على 20 دولة أفريقية, وهي دول وافقت جميعها على أن تكون طرفًا في المبادرة, بعد أن أصبح للصين استثمارات كبيرة في كل منها. كما نرى, المبادرة الصينية تتضمن 3 قارات هي أسيا وأوروبا وأفريقيا, وهي تقوم على إنشاء مشروعات وتسهيلات في البنية التحتية والتكنولوجية وسلاسل الإمداد في ما يتجاوز ال100 دولة. بينما لا تتضمن المبادرة الهندية سوى مسار واحد من الهند لأوروبا, أي أنها لا تعتبر بديلًا مناوئًا للمبادرة الصينية إلا جزئيًّا, لكنها بتصميمها لهذه المبادرة تكون قد أعلنت الهند منافستها للمصالح الصينية ذات الطابع العالمي.