التعديل الوزارى لا يكفى بل المطلوب إصلاح سياسى د.جودة عبد الخالق بمناسبة التعديل الوزاري الأخير نتوجه بالتهنئة إلى من دخلوا الوزارة، وبالشكر إلى من خرجوا منها، بصرف النظر عن الأداء. وقد تلقيت طلبات كثيرة من منصات إعلامية في الداخل والخارج للتعليق على هذا التعديل. لكننى اعتذرت عن تلبية أى منها. بصراحة، لم أستطع معرفة أي شيء مفيد عن حدث يفترض أنه هام، وبالتالي لم يكن لدىّ شيء مفيد يقال. بل وجدت أن أمامى من الأسئلة حول الحدث أكثر مما لدىّ من إجابات. لماذا التعديل في هذا التوقيت؟ وهل له علاقة بالمباحثات الجارية بين مصر وصندوق النقد الدولى؟ ولماذا لم يشمل التغيير رئيس الوزراء أيضا؟ لماذا خرج فُلان من الوزارة؟ ولماذا جاء عِلَّان إليها؟ ما هو المستهدف من التعديل الوزاري؟ ما هي علاقة التعديل بتردى الأوضاع الاقتصادية؟ ولماذا استمر الوضع كما هو عليه في وزارات حيوية مثل المالية والتموين، رغم التردى الشديد للأوضاع الاقتصادية والغلاء الفاحش الذى أرهق كاهل الناس؟ الملاحظ أن التعديل الوزارى قد اكتنفه غموض شديد في اطار من التكتم والسرية، رغم أنه بالدرجة الأولى عمل سياسى وليس عملا أمنيا. مساء الجمعة الماضى كنت أستضيف عددا من الأصدقاء في منزلنا لمناسبة اجتماعية. وكان من بين ضيوفنا اثنان من أعضاء مجلس النواب. وفوجئت بأحدهما يخبرنى أنه تلقى رسالة على هاتفه المحمول بدعوة أعضاء المجلس لاجتماع عاجل ظُهْر السبت. وأضاف مندهشا أن الدعوة لم تتضمن جدول الأعمال. فورا، انطلق سيل التكهنات والشائعات. هناك من تصور ان الأمر مرتبط بإتمام اثيوبيا الملء الثالث لسد النهضة. وهناك من تخيل أن للاجتماع المرتقب علاقة ما بالوضع الاقتصادى للبلاد والمباحثات الجارية مع الصندوق. وهناك من أشاع ان الاجتماع سيناقش موضوع تعديل وزارى وشيك. وهناك من سخر من التعديل باعتباره مجرد وسيلة لامتصاص غضب العباد من بؤس أحوال البلاد. فما هو مبرر التكتم والتعتيم؟ وأين الشفافية التي هي أحد دعائم الحكم الرشيد؟ كنت أفضل لو أن الرئيس خاطب الشعب بهذه المناسبة، مُفْصِحا عن نيته في إجراء التعديل، ومُوَضِّحا مبرراته ودواعيه، ومُحَدِّدا النتائج المتوقعة منه لإصلاح أحوال الوطن والمواطنين. لكنه لم يفعل. أو كبديل، كان يمكن أيضا أن يكلف الرئيس المتحدث الرسمى باسم رئاسة الجمهورية بإذاعة بيان بهذه المناسبة، يضع فيه النقاط فوق الحروف، ويجيب على أسئلة الناس واستفساراتهم بهذا الخصوص. لكن لم يحدث شىء من ذلك أيضا. وانتهى الأمر بموافقة مجلس النواب بالاجماع على التعديل الوزاري المعروض. تخيل حجم العبث عزيزى القارئ. مجلس النواب بكامل هيئته يوافق بالاجماع في جلسة طارئة على تعديل يشمل أكثر من 40% من الحقائب الوزارية. وبذلك أهدرنا فرصة ثمينة لتحقيق اصطفاف الشعب خلف الحكومة واحداث دفعة الى الأمام في حياة المجتمع. وبالتالي يظل السؤال مُعلَّقاً وجالبا للمزيد من الحيرة والارباك والبلبلة: لماذا كان التعديل الوزاري الأخير؟ وأيا كان الأمر، فليس بمجرد التعديلات الوزارية يكون الحل. ولن تتحسن أحوال مصر حتى لو أجرينا ألف تعديل وزارى على شاكلة التعديل الأخير. الحل هو اصلاح سياسى شامل. جوهره فتح المجال العام ووضع أسس نظام سياسى لدولة مدنية (لا دينية ولا عسكرية) يقوم على التعددية واحترام حقوق الانسان. نظام يصبح المصريون من خلاله مواطنين لا رعايا، أسياد في بلد سيد. نظام تختفى فيه ظاهرة سجناء الرأي، ويكون فيه التعبير عن الرأي مدعاة للثواب بدلا من العقاب. ولقد كتبت في هذا الخصوص أكثر من مرة، داعيا إلى عقد مؤتمر للاصلاح السياسى وأخر للاصلاح الاقتصادى. ولا أريد تكرار ما ذكرته من قبل، فهو مسجل كتابة وبالصوت والصورة. ولعل الحوار الوطنى الذى نسعى جاهدين لتدشينه يفتح آفاقا رحبة وحقيقية للاصلاح المأمول سياسيا واقتصاديا واجتماعيا. تذكِرَة وتهنئة: مرت مرور الكرام أمس الأول الموافق 15 أغسطس مناسبة وطنية غالية. مرت منسية رغم خطورتها. أتحدث عن عيد وفاء النيل. صح النوم، وكل عام والمصريون طيبون.