الحوار الوطنى والحكومة والإصلاح د. جودة عبدالخالق في عمود لقطات الأسبوع الماضى عبرت عن أملى بأن يكون الحوار الوطنى بمثابة ضوء في نهاية النفق. وفيه أعدت التذكير بخطابى المفتوح الى السيد الرئيس عبر جريدة "الأهالى" الغراء منذ حوالى عامين، والذى طالبت فيه بعقد مؤتمرين: أحدهما لمناقشة الإصلاح الاقتصادى، والآخر لمناقشة الإصلاح السياسى. ومن باب التفاؤل والحرص على المصلحة العامة، ختمت لقطات الأسبوع الماضى متمنيا أن يؤدى التفاعل مع كلام الرئيس الى ضوء كاشف في نهاية النفق. لكن بمتابعة المشهد منذ انطلاق دعوة الرئيس، أقول بمنتهى الصراحة إن هناك خطرا كبيرا في أن ينتهى شأن بهذه الأهمية إلى مجرد زوبعة في فنجان، بحيث نجد أنفسنا في نهاية المطاف ندور في دوامة داخل نفس النفق المظلم الذى نسعى للخروج منه. وأتمنى مخلصًا أن أكون مخطئا. لكنى أنتهز الفرصة لكى أحذر من هذه النتيجة السلبية. وللبناء على ما سبق في النقاش الدائر حول الموضوع، رحت أُقَلِّب أوراقى القديمة وأجتر ذكريات الماضى القريب. فوجدت أنه في عهد الرئيس الراحل حسنى مبارك، عُقِد مؤتمر اقتصادى في 1981 لمناقشة الوضع المتأزم للاقتصاد المصرى آنذاك واقتراح الحلول. وأذكر أن حزب التجمع ساهم في هذا المؤتمر بدراسة عن موضوع الدعم بالتركيز على الغذاء، وخرجت الدراسة بعدة مقترحات لتحقيق العدالة والكفاءة، أخذت الحكومة ببعضها بالذات فيما يتعلق بدعم الخبز. وليتها أخذت باقتراحات التجمع العلمية والعملية في آن واحد. وقد نشر الحزب تلك الدراسة المهمة في سلسة "كتاب الأهالى" بعنوان "دعم الأغنياء ودعم الفقراء". وفى صيف 1994 عُقِد مؤتمر الحوار الوطنى شاركت في عدة أحزاب طرحت رؤاها في المحاور الثلاثة: السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وخرجت عن مؤتمر الحوار الوطنى وثيقة مهمة، ربما كان من أهم توصياتها إعادة الأخذ بالتخطيط الاقتصادى والاجتماعى. كنت متطلعا للمؤتمر الصحفى العالمى الذى عقدته الحكومة أمس لتوضيح رؤيتها حول سبل مواجهة الأزمة الاقتصادية. ولكن بعد أكثر من ساعتين تحدث فيها رئيس مجلس الوزراء وعدد من الوزراء، انتابنى شعور قوى بالقلق والخوف على المحروسة. أحسست أن من يديرون الأمور ليسوا على مستوى الحدث. اندهشت من الرسائل التي وجهها رئيس الحكومة للداخل والخارج، ومن طريقة التفكير في الحلول لمواجهة الأزمة. قال إن أسبابها عالمية وليست محلية. وقال الأسعار زادت غصب عننا .. وهتحصل زيادات في الأسعار .. نجحنا في تأمين خروج كل الأموال الساخنة (20 مليار دولار) من مصر. وقال ان سعر الفائدة من اختصاص البنك المركزى وحده. ونسى المجلس التنسيقى بين البنك المركزي والحكومة الذى يرأسه سيادته. كما برر حالتنا الاقتصادية البائسة بتضخم عدد السكان، قال: سكان مصر يعادلون سكان 15 دولة أوروبية متقدمة. ولكنه تناسى أن سكان مصر أقل من عُشْر سكان الصين أو الهند. ثم قال كلاما خطيرا جدا: سندمج أكبر 7 موانئ مصرية تحت مظلة شركة واحدة ونطرحها في البورصة. ومعلوم أن الموانئ من مفاصل الاقتصاد وهى جزء من أمننا القومى، وهى ملك الشعب لا الحكومة. فهل حصلت الحكومة على تفويض صريح من الشعب المصرى بالتصرف في ملكيته؟ وهل نسيت الحكومة لماذا أمَّمْنا شركة قناة السويس عام 1956؟ كنت أنوى الحديث هذا الأسبوع عن قضايا الحوار وطريقة تنظيمه وألية عمله، وهل الأكاديمية الوطنية للتدريب هي الجهة المناسبة لتنظيم الحوار وإدارته. لكن المؤتمر الصحفى العالمى الذى عقدته الحكومة جاء بمثابة صدمة وخيبة أمل كبيرة. فقد كنا نتطلع للحوار ليعطينا بوصلة وخارطة طريق لإصلاح المعوج من أمور مجتمعنا اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا. لكن الحكومة بما ذكرته في المؤتمر الصحفى استبقت الأحداث وقطعت علينا الطريق في اتجاه الإصلاح الاقتصادى. فهل قصدت الحكومة وأد الحوار الوطنى وهو ما زال في المهد؟ فى ضوء كل ذلك، أرى أن الوضع المتأزم للاقتصاد المصرى وخطة الحكومة لمعالجته ربما يكون هو البند الأول على مائدة الحوار قبل أن تمضى الحكومة في الطريق الذى أعلنته.