"تُخالف الصين الرأي الأمريكي القائل بأن هناك "فراغ قوة" يجب ملئه في الشرق الأوسط, في الوقت الذي سبب فيه الانسحاب الأمريكي من الشرق الأوسط فوضى مستمرة", يقول وزير خارجية الصين وانغ يي. في الشهر الأول من 2022, قامت 6 دول من الشرق الأوسط, بما فيها قوى إقليمية كالسعودية وإيرانوتركيا, بإرسال مسئولين دبلوماسيين رفيعي المستوى للصين للدفع في اتجاه مزيد من التعاون وللتأكيد علي الشراكات القائمة. يقول شن فاي المحلل الاستراتيجي الصيني, إن الحضور الأمريكي المتناقص في الشرق الأوسط أدى إلى قلق متصاعد بين بعض دول الإقليم, فأدركوا أن الصلات بالصين ستكون ذات أهمية للمنطقة في الفترة المقبلة. مضيفاً أن العلاقات التي تسعى الصين لتوطيدها لن تقوم علي طموح في الهيمنة, بل على الاحترام والتفاهم المتبادل. لن تسعى الصين لاستبدال الدور الأمريكي في المنطقة, كما لا يحتاج الشرق الأوسط لقوى أجنبية كبرى لتتدخل في القضايا الإقليمية. "للشرق الأوسط تاريخ طويل, ثقافات فريدة, وثروات طبيعية كافية, ولكن في الوقت نفسه تعاني المنطقة من اضطراب وصراعات طال أمدها, ترجع إلى التدخل الأجنبي" قال وانغ بعد لقاء مع وزراء خارجية السعودية, البحرين, الكويت, عمان, تركيا, إيران و السكرتير العام لمجلس التعاون الخليجي :"لقد دعمت الصين الشرق الأوسط دائماً لتحقيق الاستقرار والتنمية. نعتقد أن شعوب الشرق الأوسط هم سادت منطقتهم. لا يوجد فراغ قوة, وليس هناك حاجة لسلطة أبوية من الخارج". دامت المحادثات بين وزير الخارجية الصيني ووزراء خارجية دول الشرق الأوسط ليومان (10 ل12 يناير) في إقليم جيانج سو بشرق الصين. "يريد بعض السياسيين الأمريكيين أن تتحرك الصين لسد الفراغ المزعوم الذي تركته الولاياتالمتحدة, بعد أن أدركوا أن تدخلهم العميق في الشرق الأوسط قد جلب الكوارث علي الولاياتالمتحدة. يأملون أن تكرر الصين أخطاءهم, حتى تتورط في الوضع المعقد في الشرق الأوسط وتُضعف قوتها". قال ين جانج, باحث بمركز دراسات غرب آسيا وأفريقيا في الأكاديمية الصينية للعلوم. في السنوات الأخيرة, روجت وسائل الإعلام والخبراء الغربيون لنفوذ الصين المتزايد في الشرق الأوسط, إلى جانب الحديث المٌبالغ عن مبادرة الحزام والطريق، مثل إنشاء قاعدة لوجستية في جيبوتي في القرن الأفريقي, وتوقيع اتفاقية إستراتيجية مدتها 25 عاماً مع إيران. وقال محللون إن هذه الأصوات الغربية تحاول تشكيل رواية عن "الهيمنة" المتزايدة للصين مع طموحات لتحل محل الولاياتالمتحدة في المنطقة. لن تنخدع الصين ولن تقع في الفخ, هذه هي الرسالة التي يريد وزير خارجية الصين التأكيد عليها عند حديثه عن "فراغ القوة". أكد ين, قائلاً إن الصين تجد مصلحتها في التعاون الاقتصادي بشكل واقعي وليس الهيمنة السياسية. قال وانغ إن الحقائق تثبت بشكل مكرر أن المجتمع الدولي قد يساهم في استقرار الشرق الأوسط, وليس أن يخلق المشاكل. يحتاج الشرق الأوسط إلى التنمية, ويمكن للدول الإقليمية أن تتعلم من النماذج التنموية الخارجية لا أن تقلدها". وقال لي شاوشيان، مدير المعهد الصيني للدراسات العربية في جامعة نينغشيا،: "إن الشرق الأوسط هو مكان لم يتمكن فيه شعبه من السيطرة على مصيره لفترة طويلة جداً، وبدلاَ من ذلك، فقد رأوا تدخلات أو سيطرة من قوى خارجية لفترة طويلة..هذا لأنه لا توجد قوة محلية قادرة على حل المشاكل الإقليمية بشكل فعال وتوحيد الشعوب القادرة على مقاومة الغزوات الأجنبية التي شنها المستعمرون الغربيون والإمبرياليون".ذكر وانغ النيو ليبرالية بسبب التدخل الأمريكي في المنطقة. في ظل التوجيه الأيديولوجي المستند على الليبرالية الجديدة، فإن المشاريع النابعة من مفهوم الشرق الأوسط الكبير التي اقترحتها الولاياتالمتحدة بعد 11 سبتمبر, والتي حاولت نشر الديمقراطية الغربية و" الربيع العربي "الذي شجعه الغرب لأسباب مماثلة منذ 2010, لم تجلب سوى العواقب الوخيمة". قال خبراء صينيون, إن الفوضى المروعة الحالية الناجمة عن حرب العراق التي شنتها الولاياتالمتحدة, والانسحاب المتسرع من أفغانستان العام الماضي, تُظهر أن "الديمقراطية" التي فرضها الغرب على الشرق الأوسط لا تعمل, بل وهي كارثة كاملة. "يجب على دول الشرق الأوسط أن تعثر علي طريقها الخاص لحل تحدياتها ومشاكلها بدلاً من الاعتماد على القوى الخارجية….إن الصعوبة التي تواجه دول المنطقة في تحقيق الاستقلال والتنمية الحقيقيين تكمن في المقاومة الفعالة للتدخلات الأجنبية، لأن الولاياتالمتحدة ستستمر في التدخل في القضايا الإقليمية على الرغم من أن واشنطن تسعى لتقليل وجودها في المنطقة. يقول يانج شينج, الصحفي والخبير بجريدة جلوبال تايمز. مضيفاً أن الدول الإقليمية مثل المملكة العربية السعودية وتركياوإيران يجب أن تدرك أن الصراع بين بعضها البعض كان مفرطاً وبلا فائدة, وهو يُستخدم في الحقيقة لخدمة الإستراتيجية الأمريكية كوسيلة لتوفير شرعية التدخل، لذلك سيكون من غير الحكمة وغير الضروري الحفاظ على الكراهية والعداء تجاه بعضهم البعض بعد الانسحاب الأمريكي.