بعد أن انقشع غبار الانتخابات البرلمانية الروسية، وأعلنت النتائج النهائية يحق لأى مراقب لهذه الانتخابات أن يقوم بتحليل النتائج على أساس واقع النتائج الرسمية. بداية يمكن القول بأن توازن القوى فى المجتمع الروسى لم يحدث فيه خلل جوهرى، وإنما هناك بعض الزحزحات فى هذا الاتجاه أو ذاك أو بعض الخسائر هنا أو هناك. فى هذه الانتخابات ولأول مرة يتم تمثل خمسة أحزاب فى الانتخاب بالقوائم، حيث أضيف إلى حزب روسيا الموحدة والحزب الشيوعى الروسى والحزب الليبرالى الديموقراطى وحزب روسيا العادلة، حزب موطنين جدد. فمنذ عام 1999 لم يمثل فى البرلمان الروسى بالقوائم سوى أربعة أحزاب، وهذا يعنى أن الانتخابات الأخيرة أثبتت أن هناك رغبة فى إعطاء فرصة أكبر للمشاركة السياسية وأن أفكاراً جيدة تطرح نفسها على الناخبين بل وتحظى بتأييدهم. وبصرف النظر عن أن البعض يفسر نجاح "حزب مواطنين جدد" وحصوله على 5,32% بأنه نوع من ملل الناخب الروسى من الصورة النمطية فقرر تجربة حزب جديد، فى كل الأحوال هذا توجه مهم فى المجتمع الروسى وهو محاولة البحث عن جديد، وهو دليل على حيوية المجتمع وسعيه للتطور والبحث عن أفكار جديدة. فى انتخابات دخل فيها البرلمان أربعة أحزاب كانت انتخابات 2003 حيث ظهر حزب روسيا العادلة، حتى أن المنظومة الروسية التى أصبحت منظومة الأحزاب الأربعة وهى روسيا الموحدة والحزب الشيوعى والليبرالى الديموقراطى وحزب روسيا العادلة، وكما فى بريطانيا حزبان المحافظين والعمال وفى الولاياتالمتحدة الديموقراطيين والجمهوريين، غير أنه فى روسيا اتسعت الدائرة بعض الشيء لتشمل أربعة أحزاب إلى أن كسرها فى هذه الانتخابات حزب "مواطنين جدد" كحزب خامس، لم يدخل البرلمان أى حزب يمينى أو حزب يابلوكو الليبرالى منذ عام 2003، ولم يستطيعا دخول البرلمان، ومن هنا كان ظهور حزب "مواطنين جدد" الذى قدم نفسه لأول مرة منذ وقت طويل للمواطنين كحزب ديموقراطى. يفسر الكثيرون نجاح الحزب الجديد بأنه محاولة من الكرملين لتخفيف الضغط على التيارات الليبرالية والعمل على وجود ممثلين للتيار الليبرالى فى البرلمان مما سيخفف من خروج الشباب الليبرالى للشارع وإحراج المنظومة السياسية والرئيس بوتين أمام الغرب، ومن هنا ساهم بدرجة كبيرة فى تأسيس الحزب الوافد الجديد للبرلمان، الذى يرأسه السيد اليكسى نيتشايف أحد المساهمين فى شركة "فابيرلك" وكان على رأس قائمة الحزب، وتلته فى الترتيب عمدة مدينة ياكوتسك السابقة وهى السيدة ساردانا افكسسينتفا، على أى حال وجود حزب ليبرالى معتمد فى البرلمان لا شك قد يهدئ من روع الغرب، الذى يتهم روسيا بالشمولية، بعض الشيء. حزب روسيا الموحدة ماذا عن بقية الأحزاب وهل طورت من وجودها داخل البرلمان، فقد حصل حزب روسيا الموحدة الحاكم على 49,82% من الأصوات فى القائم الحزبية، بينما حصل الحزب الشيوعى على 18,93% ، فيما حصل الحزب الليبرالى الديموقراطى على 7,55%، وحصل حزب روسيا العادلة من أجل الحقيقة على 7,47%، أما الوافد الجديد للبرلمان "مواطنون جدد" على 5,32% أى بالكاد تخطى الحد الأدنى للتمثيل فى البرلمان. حصل حزب روسيا الموحدة بالإضافة إلى النسبة التى حصل عليها فى القائم على 198 مقعدا من المقاعد الفردية (القانون الروسى يقسم الانتخابات إلى الفردى والقوائم بنسبة 50% للفردى ومثلهم للقوائم، كما يسمح لأى مواطن بالترشح كمستقل عن الأحزاب) يرجع البعض تفوق حزب روسيا الموحدة إلى الدعم الرئاسى، والأهم إلى البرامج الاجتماعية التى أقرها الرئيس بوتين فى الأيام الأخير بالإضافة إلى تطعيم القائمة الحزبية لروسيا الموحدة بعدد من الشخصيات العامة مثل سيرجى لافرروف وزير الخارجية وسيرجى شويجو وزير الدفاع، كما أن البرنامج الانتخابى للحزب تمت كتابته مع الأخذ فى الاعتبار آراء المواطنين البسطاء. أحزاب تقليدية فيما يتعلق بأحزاب البرلمان التقليدية غير الحاكمة، مثل الشيوعى والليبرالى الديموقراطى، فإن الخبراء يعتقدون أنهم ارتكتبوا جملة من الأخطاء، وكان يمكن لهذين الحزبين تحقيق نتائج أفضل، فكل الظروف كانت تعمل لصالحهم، فقد حاول الشيوعيون جمع قوى المعارضة والمزايدة على معارضى التطعيم، لكنهم لم يقترحوا برنامجا مثيرا لاهتمام الناخبين، وتفوق عليهم الرئيس بوتين بسياساته الاجتماعية التى الداعمة للمواطنين للتغلب على أزمة كورونا، بالإضافة بالطبع لأن المعارضة غير الرسمية من الأحزاب اليسارية أحدثت انقساما بين أعضاء الحزب الشيوعى، جناح على استعداد للتعاون مع أى حزب سياسى، بينما الجزء الآخر ليس لديه الاستعداد للتعاون مع الأعداء الإيديولوجيين. لكن الخطأ الأكبر الذى ارتكبه الشيوعيون هو دعوتهم لمناصريهم وأعضائهم بعدم استخدام التصويت الإليكترونى، الذى رجح كفة حزب روسيا الموحدة. أما الحزب الليبرالى الديموقراطى ذى النزعة القومية، فقد انخفض التصويت له فى الأقاليم الروسية على غير العادة، كما أن الحزب لم يكن على المستوى المطلوب فى المناظرات الحزبية على غير العادة، ولم يكن زعيم الحزب التاريخى فلاديمير جيرينوفسكى مقنعاً للناخبين، ويقول بعض الخبراء أن الحزب قيم قدراته بشكل خاطئ معتمداً على سمعته القديمة. أما حزب روسيا العادلة من أجل الحقيقة، وهو الذى أنشئ للحد من نفوذ الحزب الشيوعى وبالفعل نجح فى عبور حاجز 5% فى أول انتخابات يخوضها وحجز مكانه فى المنظومة البرلمانية الروسية كرابع حزب يكون البرلمان، وتخطى الحزب حاجز 5% اللازمة للتمثيل فى البرلمان بثقة، فى وقت شكك فيه الكثيرون فى قدرة الحزب على التمثيل فى البرلمان، البعض يشير إلى أن الحزب كان من الممكن أن يحقق نتيجة أفضل لو أنه راهن على هزيمة الشيوعيين القريبين منه فكرياً وليس الصراع مع روسيا الموحدة. فى كل الأحوال برامج المعارضة كانت متقاربة وما اقترحته على الناخب كان متشابهاً بدرجة كبيرة وكان شعارها الأساسى هو "نحن ضد حزب السلطة" والنتيجة كانت شعار باهت لم يحقق المطلوب منه. المواطنين الجدد احتفى الخبراء كثيراً بالحزب الخامس الذى حصل على حق التمثيل فى البرلمان وهو حزب "المواطنين الجدد"، والكثير منهم أشار إلى أن مرور هذا الحزب الذى لا يشمل شخصيات لامعة على المستوى الفيدرالى فى روسيا، هو رغبة الناخبين فى تجديد أو ضخ دماء جديدة فى البرلمان، كما أن الحزب بليبراليته أجتذب جزءا من مؤيدى حزب يابلوكو بقيادة الاقتصادى المعروف جريجورى يافلينسكى، ومن وجهة نظرى السلطات الروسية أثبتت بنجاح هذا الحزب أنها أذكى وتستطيع استخدام الداخل والانتخابات داخل روسيا فى تهدئة الساحة الخارجية، بمعنى أنها سمحت لمعارضة ليبرالية ليس بالتمثيل فى البرلمان بدلاً من التظاهر فى الشارع، وتكون روسيا بذلك قد حلت أزمة تمثيل الليبراليين الذين ليس لديهم أعضاء ممثلون لهم فى البرلمان تقريباً سوى أفراد معدودين لا يؤثرون كثيراً فى أى قرار سياسى. بصفة عامة ورغم اعتراض بعض القوى السياسية نجد أن الانتخابات مرت دون وجود مخالفات أو أخطاء يمكن أن تؤثر على النتائج، وفيما يتعلق بملاحظات الحزب الشيوعى، بالمناسبة هو الوحيد الذى أعترض على التصويت الإليكترونى، لأن معظم ناخبيه من كبار السن الذين عاصروا الحقبة السوفيتية ولا يستطيعون استخدام التقنية الحديثة، ومن هذا المنطلق يطعن الحزب فى نتائج التصويت الإليكترونى، وعلى العموم دائماً ما يطعن الحزب فى النتائج.