فى التاسع عشر من شهر أغسطس قامت مجموعة من الحزب الشيوعى وقيادات الاتحاد السوفيتى بتشكيل ما عرف بلجنة الدولة للطوارئ، وكما قالوا الهدف من اللجنة تنحية جورباتشوف عن السلطة مؤقتاً لحين استعادة النظام والأمن فى البلاد والرجوع عن البيريسترويكا وسياسة جورباتشوف والعودة إلى النظام القديم ثم إعادة جورباتشوف للسلطة بعد فرض النظام. ففى السابع عشر من أغسطس اجتمع أعضاء ما عرف فيما بعد بلجنة الدولة للطوارئ فى أحد المقار السرية لجهاز المخابرات السوفيتية كى جى بى، وتقرر خلال الاجتماع إعلان حالة الطوارئ فى بعض مناطق الدولة بداية من 19 أغسطس وتشكيل لجنة طوارئ تطلب من جورباتشوف رئيس الاتحاد السوفيتى إصدار مرسوم بذلك أو أن يستقيل ويسلم صلاحياته إلى نائبة جينادى ينايف، واحتجاز رئيس روسيا بوريس فى مطار "تشكالوفسكى" بمجرد وصوله من كازاخستان التى كان فى زيارة لها، وكان على يلتسين أن يعقد جلسة رتبت له مع وزير الدفاع يازوف أحد قادة الإنقلاب فى المطار، وبناء على نتائج هذه الجلسة ستقوم مجموعة لجنة الطوارئ بالعمل. يوم 18 أغسطس توجه ممثلون عن لجنة الدولة للطوارئ إلى القرم، حيث كان جورباتشوف يقضى إجازته الصيفية فى فوروس بالقرم، لكى يحصلوا منه على موافقة بإعلان حالة الطوارئ فى البلاد. رفض جورباتشوف إعطاءهم هكذا تفويض. فى الساعة الرابعة والنصف تم قطع كل وسائل الاتصال بالعالم الخارجى عن فيلا جورباتشوف، بما فى ذلك تلك المتعلقة بإدارة القدرات النووية للاتحاد السوفيتى. إعلان الطوارئ يوم 19 أغسطس قامت كتيبة سيفاستوبل التابعة للكى جى بى بمحاصرة فيلا الرئيس فى فوروس. وبداية من الساعة السادسة صباحاً بدأت الإذاعة تبث بيانات عن إعلان حالة الطوارئ فى بعض مناطق الاتحاد السوفيتى، ومرسوم نائب الرئيس جينادى ينايف عن توليه مهام رئيس الاتحاد السوفيتى جورباتشوف نظراً لمرض الأخير، كانت البث كذلك يحتوى على بيان لجنة الدولة للطوارئ إلى الشعب السوفيتى. لجنة الدولة للطوارئ كانت تضم أهم شخصيات الاتحاد السوفيتى، ووزارات السيادة فى البلاد، حتى الآن لا يعرف أحد كيف فشل الانقلاب، لجنة الطوارئ كانت تضم نائب جورباتشوف جينادى ينايف ورئيس الوزراء فالينتين باقلوف ووزير الداخلية بوريس بوجو ووزير الدفاع دميترى يازوف ورئيس الكى جى بى فلاديمير كريتشكوف والنائب الأول لمجلس الدفاع السوفيتى أوليج باكلانوف ورئيس اتحاد فلاحى الاتحاد السوفيتى فاسيى ستاردوبتسوف ورئيس اتحاد الصناعيين السوفيت الكسندر تيزياكوف. فى الساعة السابعة وبأوامر من وزير الدفاع دميترى يازوف قامت قوات ميكانيكية ومدرعات بالتحرك فى اتجاه العاصة الروسية موسكو، بالإضافة لقوات أخرى مترجلة، أخذت طريقها للعاصمة السوفيتية. الساعة التاسعة صباحاً وفى أول رد فعل على الانقلاب تجمع مواطنون مؤيدون للديموقراطية ويلتسين فى قلب العاصمة موسكو. وفى التاسعة وأربعين دقيقة صباحاً وصل الرئيس الروسى بوريس يلتسين إلى مبنى مجلس السوفيت الأعلى الروسى (يطلق عليه البيت الأبيض بسبب لون جدرانه) وفى حديث تليفونى مع فلاديمير كريتشكوف رئيس الكى جى بى رفض يلتسين الاعتراف بلجنة الدولة للطوارئ، وبينما كانت قوات الجيش تحتل مواقع فى وسط العاصمة موسكو، وبالقرب من مجلس السوفيت الأعلى الروسى تمركزت قوات مظللين بقيادة الميجور جنرال الكسندر ليبيد. بيان يلسين الساعة 11 و45 دقيقة أول مجموعة من المتظاهرين وصلت إلى ميدان مانيج بقلب موسكو ولم تتخذ اى إجراءات من قبل قوات الجيش أو أى قوات الأمن لتفريقها، وفى الساعة 12و15 دقيقة تجمع آلاف عن مجلس السوفيت الأعلى. ولم تبذل أى جهود لتفريق المتظاهرين. فى الساعة 12 و 15 دقيقة خرج بوريس يلتسين للمتظاهرين وقرأ بيانا إلى الشعب الروسى وصف فيه لجنة الدولة للطوارئ بأنها "رجعية" وأنها "انقلاب مخالف للدستور" وقع البيان رئيس روسيا ورئيس وزرائه إيفان سيلايف والقائم بأعمال رئيس مجلس السوفيت الأعلى روسلان حسبولاتوف. الساعة 12 و30 دقيقة أصدر الرئيس يلتسين مرسوماً رئاسياً اعتبر فيه أن ما قامت به لجنة الدولة للطوارئ يعتبر محاولة انقلاب، وبداية من الساعة 14 بعد الظهر بدأت الجماهير فى إقامة التحصينات والمتاريس حول مبنى مجلس السوفيت (البرلمان الروسى)، الساعة 15 و30 دقيقة أعلنت سرية مدرعة بدون ذخيرة بقيادة الرائد يفداكيموف انحيازها للرئيس يلتسين. الساعة 16 أعلن رئيس لجنة الدولة للطوارئ حالة الطوارئ فى العاصمة الروسية موسكو، وفى أول رد على ذلك أصدر الرئيس الروسى يلتسين مرسوماً رئاسياً يقضى بضم كل التشكيلات العسكرية فى البلاد والمؤسسات الاتحادية لتتبع رئيس روسيا الاتحادية. الساعة 17 عقد مؤتمر صحفى لرئيس لجنة الدولة للطوارئ أعلن فيه أن جورباتشوف يقضى فترة استجمام وعلاج فى شبه جزيرة القرم وبمجرد أن تسمح حالته الصحية بقيادة البلاد سوف يعود. فى نفس الوقت اندلعت مظاهرات فى المدينة السوفيتية الثانية من حيث الحجم "لينينجراد" رفضاً للانقلاب. 20 أغسطس الساعة 5 صباحاً اتجهت قوات مظليين تابعة للكى جى بى السوفيتى وكتيبة أخرى تابعة لوزارة الدفاع إلى لينينجراد، لكن تم ايقافها على بعد حوالى 70 كم من المدينة، وفى العاشرة صباحاً عقد مؤتمر جماهيرى حاشد (حوالى 300 ألف مواطن رافض للجنة الطوارئ) أقسم أمامه عسكريو المدينة على أنهم لن يتدخلوا فى الأحداث. تراجع الانقلاب 21 أغسطس فى الساعة الثالثة أعلن قائد القوات الجوية للاتحاد السوفيتى يفجينى شابوشنيكوف ولاءه ليلتسين وطلب من وزير الدفاع يازوف بأن يسحب القوات من موسكو وإعلان عدم قانونية لجنة الدولة للطوارئ واعتقال أعضائها. وفى الساعة الخامسة عقد قادة الأفرع فى وزارة الدفاع السوفيتية اجتماعاً أعلن فيه قائد القوات البحرية وقوات المشاة اقتراح شابوشنيكوف قائد القوات بسحب القوات من موسكو، ورضخ وزير الدفاع يازوف وسحب قوات الجيش من موسكو بالفعل، فى الساعة السابعة و 20 دقيقة كانت جميع القوات قد غادرت موسكو. فى الحادية عشرة افتتحت جلسة استثناية لمجلس السوفيت الأعلى الروسى، وكان على رأس جدول الأعمال مناقشة الحالة السياسية فى البلاد. فى الساعة 14 و18 دقيقة أقلعت طائرة من طراز إل 62 على متنها أعضاء من لجنة الدولة للطوارئ (الإنقلابيين) إلى القرم حيث جورباتشوف، الطائرة أقلعت قبل عدة دقائق من وصول قوات أمن تابعة لروسيا كان مهمتها اعتقال أعضاء لجنة الطوارئ، جورباتشوف رفض استقبالهم وطلب إعادة خطوط الاتصال مع العالم الخارجى كما كانت. طائرة أخرى اقلعت الساعة 16 و 52 دقيقة إلى القرم إلى جورباتشوف وكان على متنها نائب الرئيس الروسى الكسندر روتسكوى ورئيس الوزراء الروسى إيفان سيلايف، الساعة 22 وقع الرئيس يلتسين مرسوماً ألغى من خلاله كل قرارات لجنة الدولة للطوارئ، وأجرى تعديلات على بعض المناصب فى الإذاعة والتليفزيون. 22 أغسطس النهاية السعيد، هبطت طائرة روسية من طراز تو 134 فى مطار فنوكوفو 2 بموسكو وعلى متنها نائب الرئيس يلتسين الكسندر روتسكوى ورئيس الوزراء الروسى سيلايف، وجورباتشوف وأسرته، وأعضاء لجنة الطوارئ حيث ألقى القبض عليهم فى القرم. هذا باختصار ما عرف بانقلاب اغسطس 1991 فى الاتحاد السوفيتى، وهو يشبه ما حدث تقريباً مع خروشوف بسبب شطحاته الإصلاحية، لكن فى عصر خروشوف كانت الدولة السوفيتية فى عنفوانها ولم تكن هناك روسيا مستقلة برئيس مستقل، بل كانت روسيا هى الاتحاد السوفيتى نفسه، فلم يكن بها أى مؤسسات حيث كانت المؤسسات السوفيتية هى مؤسسات روسية ولم يكن بها حتى حزب شيوعى مستقل، ولم ينشأ الحزب الشيوعى الروسى إلا بعد أو مع اقتراب احتضار الدولة السوفيتية. علامات استفهام هناك الكثير من علامات الاستفهام حول لجنة الطوارئ، وحول ما إذا كان جورباتشوف على علم بإعلان حالة الطوارئ وموافق عليها ثم خذل زملاءه، تفاصيل كثيرة لا مجال هنا للتطرق إليها، لكن جورباتشوف دفع ثمن تردده، وثمن قبوله بالانتخاب غير المباشر له، على عكس يلتسين الذى كان منتخباً من الجماهير مما أعطاه قوة جعلته يسيطر على الأوضاع، وعندما وجد الأمريكيون أنه الشخصية الأكثر فعالية راهنوا عليه. كان الهم الأكبر لجورباتشوف ألا يكون عدوه اللدود يلتسين مشاركاً أو موافقاً على لجنة الطوارئ (الإنقلاب)، وكان كذلك يخشى مصير شاوشيسكو فى رومانيا، لكنه تشجع عندما عرف أن يلتسين غير مشارك، وأن الإنقلابيين لم يقبضوا عليه، بل أن يلتسين هو من سعى لإنقاذه حفاظاً على سلطته المستقلة على روسيا، ففى حال نجاح الإنقلاب كان يلتسين سيعود رئيساً لدولة تابعة فى الإمبراطورية السوفيتية. وأخيراً وهذا هو الأهم، أن الإنقلاب أظهر للعالم وللشعب السوفيتى، أن بلدهم كانت مجرد شبح، بمجرد أن أضيئت الأنوار اختفى، فليس من المعقول أن تشارك الكى جى بى والجيش الأحمر والداخلية السوفيتية فى انقلاب ينتهى بهذا الشكل، هذه دولة كان عمرها الافتراضى قد انتهى بالفعل، فقد كان الاتحاد السوفيتى مثل عصا سليمان. نعم انهيار الاتحاد السوفيتى كان كارثة جيوسياسية بكل المقاييس، لكن بقاء الدولة السوفيتية كان من الصعوبة بمكان. عودة روسيا الحالية مع تولى بوتين زمام الأمور فى روسيا، بلا شك أحدث نوعا من التوازن فى العالم وحافظ على روسيا كدولة فاعلة فى العالم، نرجو أن يستمر، لأن أحادية القطب نعم أدت إلى وقف الحرب الباردة، لكنها أتت بكوارث وحروب ليس أخرها أفغانستان.