لأمى وجه أبيض ، مشرب بالحمرة . قديما وأنا طفلة ، كنت أحب النظر إليها وهى عائدة من السوق ، حاملة السبت الخوص فوق رأسها ، وعلى ذراعها تحمل كرنبة كبيرة . كنت أجرى عليها فاتحة ذراعىّ ، أحتضنها من ساقيها . تنحنى علىّ قليلا ، ثم أحمل من يدها الكرنبة ، وأجرى أمامها فرحة منادية : ماما جت ، ماما جت . تدخل البيت ، تنزل السبت الثقيل عن رأسها . ونلتف نحن الصغار حولها ، مهللين : جبتى إيه حلو ياماما ؟ تضحك ، وتخرج كيس الجوافة البيضاء من السبت ، وتقوم بغسلها ، وأعطاء كل واحد منا نصيبه ، وهى تضحك فى ود وحب . كان لأمى وجه صبوح . ورقبة طويلة تشبه كوز العسل بها بعض التنيات . كنت أحب النظر إليها ، وهى ترفع القلة عاليا ، دون أن تلمس شفتيها ، تشرب فى استمتاع ، والقلة تكركر ، ثم تمسح فمها بظهر يدها وتقول : الحمد لله . وأنا أرفع عينيىّ فى أعجاب ومحبة . وهى تخلع الطرحة عن رأسها ، وتقوم واقفة إلى المطبخ تجهز لنا طعام الغداء .