" أنا لا أخشى الموت ولا أرهبه .. إنه قضاء الله وقدره، لكنني أخشى أن يكون للحكم الذي سوف يصدر ضدي آثار سيئة على زملائي، تصيبهم بالخوف وتقتل فيهم وطنيتهم" هذه العبارة التى عبر خلالها الشهيد سليمان محمد عبدالحميد خاطر (1961 – 7 يناير 1986) الذى دخل عوالم الأبطال الشعبيين الذين يعرفها المصريون جيدا ويقدر دورهم ويحتفى بهم. لكن للمجند فى قوات الأمن المركزي المصري والذى قام اثناء خدمته على الحدود المصرية مع إسرائيل بسيناء بقتل سبعة إسرائيليين حاولوا التسلل إلى نقطة حراسته، في الخامس من أكتوبر عام 1985. لهذا المجندى المجند شأن آخر فقد فتح من جديد جرح التطبيع الذى لا يندمل وكشف عورات كامب ديفيد، وهو الفلاح البسيط الذى لم يأخذ من الوطن سوى الستر وقليل جدا من المعرفة والتعليم ولم يتردد ويرتبك وينشغل بحسابات ذاتيه لكنه كان عفويا لدرجة الدهشة وربما الصدمة لهؤلاء الذين أرادوا اقتحام حصنه فى تحد سافر لقدسية تراب الوطن. هو المجند فى صفوف الامن المركزى الذى تلقى تعليمات صارمة بعد السماح لاى شخص باقتحام الحصن الذى يقف لحمايته ولم يفعل سليمان شيئا سوى تنفيذ التعليمات ليضع النظام المصرى فى موقف لم يكن يتخيله او يتمناه .. فها هو جندى مجند سليمان خاطر يذود عن قداسة تراب الوطن وينفذ تعليمات قادته فماذا انتم فاعلون ؟؟؟؟ فى عام 1970 قامت طائرات الفاتنوم – امريكية الصنع – بقذف مدرسة بحر البقر بمحافظة الشرقية ليسقط اكثر من 30 طفلا شهيدا ويصاب العشرات من الاطفال الابرياء حيذاك كان الطفل "سليمان خاطر " يخطو نحو عامه السابع وكانت الدماء تلطخ كراسات الاطفال فى بحر البقر .. والعار يطارد جنود الاحتلال الاسرائيلى وقادتهم. فى عام 1961 ولد سليمان لأسرة بسيطة فى قرية إكياد البحرية التابعة لمركز فاقوس في محافظة الشرقية وهو الابن الأخير بين خمسة أبناء في أسرة أنجبت ولدين وبنتين قبل سليمان. وقضت المحكمة عليه بالأشغال المؤبدة، وفي يناير عام 1987 تم العثور عليه مشنوقاً في زنزانته في ظروف غامضة وبشكل طرح الكثير من التساؤلات والشكوك. فى يوم 5 أكتوبر عام 1985 والنهار يوشك ان يغيب وأثناء قيام سليمان خاطر بنوبة حراسته المعتادة بمنطقة رأس برقة بجنوب سيناء فوجيء بمجموعة من السائحين الإسرائيليين يحاولون تسلق الهضبة التي تقع عليها نقطة حراسته فأطلق رصاصات تحذيريه ثم أطلق النار عليهم فلم يستجيبوا للطلقات التحذيرية. وقال سليمان خلال التحقيقات بأن أولئك الإسرائيليين قد تسللوا إلى داخل الحدود المصرية من غير سابق ترخيص، وأنهم رفضوا الاستجابة للتحذيرات بإطلاق النار مما دفعه لاطلاق النار عليهم. سلم سليمان خاطر نفسه بعد الحادث، وصدر قرار جمهوري بموجب قانون الطوارئ بتحويل الشاب إلى محاكمة عسكرية وقد روى ما حدث قائلا: "كنت على نقطة مرتفعة من الأرض، وأنا ماسك الخدمة ومعي السلاح شفت مجموعة من الأجانب ستات وعيال وتقريبا راجل وكانوا طالعين لابسين مايوهات منها بكيني ومنها عارى. . فقلت لهم "ستوب نو باسينج" بالإنجليزية. ماوقفوش خالص وعدوا الكشك، وأنا راجل واقف في خدمتي وأؤدي واجبي وفيه أجهزة ومعدات ما يصحش حد يشوفها والجبل من أصله ممنوع أي حد يطلع عليه سواء مصري أو أجنبي. دي منطقة ممنوعة وممنوع أي حد يتواجد فيها، وده أمر وإلا يبقي خلاص نسيب الحدود فاضية، وكل اللي تورينا جسمها نعديها. (وذلك في إشارة منه إلى حادثة كانت ما زالت حديثة حين استطاعت امرأة صهيونية أن تتحايل بالعري على أحد الجنود في سيناء، وتحصل منه على تردد أجهزة الإشارة الخاصة بالأمن المركزي هناك بعد أن ادخلها الشاليه المخصص للوحدة) قبل أن ينطق المحقق بالسؤال التالى قال .. " أمال أنتم قلتم ممنوع ليه .. قولوا لنا نسيبهم وإحنا نسيبهم". سأله المحقق: لماذا يا سليمان تصر علي تعمير سلاحك؟ وفى بساطة قال .. لأن اللي يحب سلاحه يحب وطنه ودي حاجة معروفة واللي يهمل سلاحه يهمل وطنه. المحقق : بماذا تبرر حفظ رقم سلاحك؟ لأني بحبه زى كلمة مصر تمام وانهالت الصحف الحكومية فى تشويه صورة سليمان ووصفته بالمختل احيانا واعتبرته مريضا نفسيا احيانا اخرى وتضامنت قوى وطنية عديدة والمثقفين مع حق خاطر فى محاكمة عادلة وامام قاضٍ طبيعى. بعد أن تمت محاكمة سليمان خاطر عسكريا، صدر الحكم عليه في 28 ديسمبر عام 1985 بالأشغال الشاقة لمدة 25 عامًا. وعقب سماعه للحكم قال خاطر "إن هذا الحكم، هو حكم ضد مصر، لأن جندي مصري أدى واجبه" ثم التفت إلى الجنود الذين يحرسونه قائلاً : «"روحوا واحرسوا سينا.. سليمان مش عايز حراسة" بعد أن صدر الحكم علي خاطر تم نقله إلى السجن الحربي بمدينة نصر، وهناك كتب رسالة شديدة البلاغة والبساطة والالم قال فيها عندما سأله أحد السجناء "بتفكر في إيه"؟ قال : "أفكر في مصر أمي، أتصور أنها امرأة طيبة مثل أمي تتعب وتعمل مثلها، وأقولها يا أمي أنا واحد من أبنائك المخلصين .. من ترابك .. ودمي من نيلك ، وحين أبكي أتصورها تجلس بجانبي مثل أمي في البيت في كل إجازة تأخذ رأسي في صدرها الحنون، وتقول: «"لا تبكي يا سليمان، أنت فعلت كل ما كنت أنتظره منك يا بني. وتم نقل سليمان من السجن إلى مستشفى السجن بدعوى معالجته من البلهارسيا وبعد اقل من عشرة ايام فقط من حبسه. وتحديداً في 7 يناير 1986 أعلن الاعلام المصرى خبر يفيد "انتحار الجندي سليمان خاطر في ظروف غامضة" وهنا تبدأ لحظة جديدة فى ملحمة سليمان خاطر يشارك فى صنعها عشرات الاف من طلاب مصر الذين خرجوا فى تظاهرات عارمة رافعين صور سليمان خاطر مشككين فى الرواية الرسمية حول انتحاره وشارك ايضا فى صنعها عشرات المقالات والبيانات السياسية وصار خاطر ملهما لمئات القصائد الشعرية التى ترثيه وترثى حالنا حينذاك. وساهم فى هذا ايضا ارتباك رسمى واضح حول طبيعة وفاه سليمان حيث افاد تقرير الطب الشرعي انه انتحروقالت الصحف القومية المصرية انتحار سليمان خاطر بأن شنق نفسه على نافذة ترتفع عن الأرض بثلاثة أمتار. فى حين قال افراد اسرته أن الجثة كان بها آثار خنق بآلة تشبه السلك الرفيع علي الرقبة، وكدمات علي الساق تشبه أثار جرجرة أو ضرب. وبينما قال البيان الرسمي أن الانتحار تم بمشمع الفراش قالت مجلة المصور أن الانتحار تم بملاءة السرير، وقال الطب الشرعي أن الانتحار تم بقطعة قماش من ما تستعمله الصاعقة. وجاء رفض السلطات طلبا تقدمت به أسرته بإعادة تشريح الجثة عن طريق لجنة مستقلة لمعرفة سبب الوفاة ليجعل الامر اكثر غموضا وريبة ويدفع والدة سليمان خاطر للقول: "ابني أتقتل عشان ترضى عنهم أمريكا و إسرائيل" ويبقى اسم سليمان خاطر ضمن قائمة هؤلاء الابطال الشعبيين الذين كلما مر الوقت احتفى الخيال الجمعى بهم ويظل موته لغزا وحياته القصيرة الهادئة مثارا للتأريخ ويظل رغم كل شىء نموذجا فى تقديس التراب الوطنى المصرى.