فى عام 1958، أدرك رجال ثورة يوليو، أهمية ان يكون للدولة دور فى وعى الشعب كما ادركوا اهمية ان تقدم الدولة خدمة ثقافية على اعتبارها حقًا للمواطن الى جانب حقه فى العلاج والعمل والمسكن، وشهدت مصر فى هذا العام أول وزير للثقافة وكان العظيم ثروت عكاشة، الذى يعد أهم وزير ثقافة حتى الآن ربما تعود تلك المكانة البارزة لامتلاكه رؤية مشروع ثقافى وطنى فى سياق مشروع شامل للوطن. ورغم اجتهاد عدد من وزراء الثقافة المتعاقبين ومن أهمهم فاروق حسنى، لكنها تبقى محاولات لم ترق الى مستوى المشروع الوطنى، والان وفى ظل الحرب الفكرية والأمنية التى تواجهها مصر ضد الارهاب سواء فكرًا او منهجًا تنظيميًا وأمام حالة التردى المستمر فى الذوق العام والسلوكيات اليومية. «الأهالى» تطرح هذا السؤال مباشرة على عدد من المثقفين والمبدعين.. هل تملك مصر مشروعا ثقافيا وطنيا بالفعل؟ وما الشروط والخطوات والمحددات التى يجب أن تميز مشروع ثقافى نسعى إليه ونطالب به؟. الناقد الكبير طارق الشناوى، قال بنبرة بها حزن شديد «للأسف مفيش مشروع ثقافى وطنى منذ الستينيات حتى الآن» وأضاف أنه من المهم توفر هذا المشروع وان يكون منطلقه جماليًا سواء فى القاهرة او بالمحافظات وعلينا ان ننشر ثقافة الجمال سواء من خلال نظافة الشوارع او نشر اللوحات والتماثيل فى شوارع والمدن لأن ذلك سيخلق ثقافة الجمال التى تمثل اكبر مقاوم للتطرف فى كل شيء وكذلك الجمال والإبداع خصم أساسى للطائفية واهم مقاوم للعنف. وقال، إن قصور الثقافة التى بدأت كمشروع فى الستينيات وأصبحت الان بها الكثير من القصور والكسور وقصر الثقافة مشروع قومى الغرض منه هو حضارة الوطن ومواجهة التطرف، وعلينا استعادة دور قصور الثقافة من حيث نشر الفنون بكل اشكالها سواء كان سينما او مسرح او غير ذلك من الفنون. وأضاف الشناوى، أن هذا الامر لن تتمكن من صنعه وزارة الثقافة بامكانياتها المحدودة لكنة يحتاج الى اهتمام اكبر من الدولة المصرية لما يمثله من اهمية كبيرة فى ترسيخ قيم جماليه لدى المواطن وترسخ مفاهيم حضارية تنبذ العنف والتطرف والقبح الخرافة والسحر الشاعر صلاح اللقانى، بدوره طرح السؤال بطريقته مؤكدًا أنه عندما نفكر فيما إذا كان لمصر حاليا مشروع ثقافى ام لا؟، علينا أن نحدد شروط تواجد هذا المشروع أو أي مشروع وهو يتحدد بأهدافه ومقاصده، كما يتحدد بفاعليه المنوط بهم إنجازه، فلا فعل دون فاعل. كما يتحدد المشروع بحاجات الوطن العليا لتعبئة موارده البشرية. فى الحقبة الناصرية، عندما كانت مصر تتبنى نهجا اشتراكيا، كان هناك الفقيه الذي يحدثنا عن أن الناس شركاء فى ثلاث: الماء والنار والكلأ، وكان الشعراء ينافسون شوقي فى قوله: الاشتراكيون أنت إمامهم، وكانت الشخصية الأثيرة لأئمة المساجد أبا ذر الغفاري. وعندما وقعت كارثة يونيو 67 كان باب الحرية لا يفتح إلا بالأيدي المضرجة بالدماء، وشعار المرحلة أن ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة. أما فى مرحلة الزعيم المؤمن فقد كان الهدف تدعيش الأمة ووهبنتها وأخونتها فرأينا الثقافة الجماهيرية تتسمى بقصور الثقافة ووجدنا مشايخ الوهابية يتم تنجيمهم ووضع كل إمكانات الإعلام الرسمي من أجل رفعهم إلى مرتبة الأنبياء والقديسين، وصار العلم مكرسًا لخدمة الإيمان. وتحولت قصور الثقافة لإنتاج المسلم الوهابي، ومحو أمية المصريين بكيفية تغسيل الموتى، ومنافسة المعاهد الأزهرية ووزارة الأوقاف فى أنشطتها. المشروع يتحدد عندما ننحاز إلى إحدى الإجابتين: هل وصل انحطاطنا إلى ما وصل إليه بسبب ابتعادنا عن الدين؟ أم بسبب تنكب طريق العقل والحرية؟ إذا كانت إجابتنا فى الأولى فليس أمامنا إلا منهج الرئيس المؤمن قائد الحرب والسلام وإن كانت الثانية فلا طريق إلا سبيل أمام الأرض التي خرجت من سجون القرون الوسطى، وعصور الخرافة والسحر إلى عصر العقلانية، أداة معرفية والديمقراطية أداة سياسية. اكد اللقانى، أنه ليس أمامنا إلا القطيعة المعرفية مع ثقافة الأساطير والخوارق لزمن البحث العلمي وحضارة النانوتكنولوجي والذكاء الاصطناعي واختراق عالم الميكرو والماكرو. العلم والحرية. ورجال التنوير وليس رجال حزب النور، وقادة للعمل الثقافى تتنافس على الأوبرا واللوحة والتمثال والفكر النقدي والحرية العقلية لا أن ينافسوا مشايخ وزارة الأوقاف. لقد هزمتنا إسرائيل بالمعمل وقاعات الدرس، ولن نهزمها بالدعاء عليها وكنس مساجد الأولياء. أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم. عقد مؤتمر الشاعر فريد أبو سعدة، طالب بعقد مؤتمر يضم أهم المثقفين والأدباء ومناقشة غياب مشروع ثقافى مصرى وطنى، يتم ذلك علنا والخروج بتوصيات يعمل الوزير على تفعيلها، واضاف ابو سعدة، ان من اهم الخطوات التى يطالب بها النظر فى إعادة هيكلة المجلس الأعلى للثقافة ويكون بالانتخاب وايضا لابد من إعادة هيكلة الإذاعة والتليفزيون وإعطاء مساحة أكبر للإبداع والثقافة خاصة فى القنوات العامة وليس فقط بالقنوات المتخصصة. لا توجد ثقافة الكاتبة والروائية ريم أبو عيد، قالت إن فى واقع الأمر ليس لدينا اي مشروع ثقافى فى الوقت الراهن لا وطني ولا شعبي ولا حتى مجتمعي بل للاسف لم يعد لدينا ثقافة حقيقية على الإطلاق والواقع شاهد على هذا فالثقافة إن لم تؤثر إيحابيا فى المجتمع وترتقي بافراده كانها والعدم شيء واحد. وواقع حال المجتمع، يؤكد انعدام الثقافة فى شتى مناحي الحياة وانعدام الثقافة يعني انعدام التحضر والرقي بوجه عام وهو ما نعاني منه جميعا فى الوقت الراهن واضافت اننا بحاجة إلى إعادة هيكلة ثقافة المجتمع من جديد والعودة إلى ما كنا عليه من قيم وسلوكيات متحضرة ليس مع بعضنا البعض فقط ولكن ايضا مع الآخرين وكل الموجودات من حولنا كالحيوانات والشجر والحجر وهذا لن يتحقق إلا بتضافر الجهود المجتمعية والمؤسسية المعنية بدءا من الاسرة وانتهاء بمؤسسة الرئاسة.وأكدت، أنه حتى نستطيع النهوض بالثقافة مرة اخرى، علينا ان نضع ايدينا اولا على مسببات انهيارها التي ياتي على راسها غياب دور الأسرة فى التربية والرقابة على الأبناء والمؤثرات الخارجية التي تشكل وعيهم. كذلك الفساد المستشري فى معظم المؤسسات الثقافية الحكومية، إن لم يكن كلها وهو ما ادى إلى إسناد الامر إلى غير اهله ممن يعانون هم انفسهم من فقر ثقافى وقيمي. المسئولية إذن هي مسئولية الدولة نفسها فى المقام الاول والتي يجب ان تعيد النظر فيمن تسند إليهم المناصب التي من شانها تشكيل وعي المجتمع. المنطومة الثقافية والمجتمعية، تفتقد باكملها إلى الكفاءات الحقيقية التي بإمكانها النهوض بالثقافة العامة لكي نصبح قادرين على بناء نهضة حقيقية تعيدنا مرة اخري إلى مصاف الدول الحضارية. فالثقافة الواعية المستنيرة هي اول لبنة فى بناء حضارات الأمم.