فى اللقاء الأخير للرئيس السيسي بجامعة القاهرة بالمؤتمر الوطني السادس للشباب فى الفترة ورد سؤال له نقلته إليه المذيعة التي كانت تدير اللقاء " لماذا لم يتبع الحكومة و أعضاء مجلس البرلمان التقشف و خفض المرتبات " فطلب الرئيس من الدكتور على عبد العال رئيس مجلس النواب التعليق فتحدث أولا عن مرتب عضو المجلس الذي يصل خمسة الاف شهريا و مكافأة حضور الجلسة 180 بخلاف بدل السفر. أما بخصوص الوزراء قام المجلس بخفض نسبة معاش الوزراء فى القانون المقدم إليه من الحكومة من 80% من الراتب إلى 25% الذي اعتبره انجازا لدرجة أن رئيس برلمان إحدى الدول الأوربية حسده على انجازه و تمنى أن يستطيعوا أن يفعلوا مثله. تخفيض المعاش كان تعقيب الرئيس أن د. على عبد العال اتصل به و قال له انه لن يمشي قانون معاشات الوزراء و يبدو أنه حدث حوار مع الرئيس حتى وصلوا لنسبة 25%.. تحدث الرئيس عن دوافع تقديم القانون أن الوزير قبل قدومه إلى الوزارة يعمل فى الجامعة أو منظمة دولية يمكن أن يحصل على 200 – 300 ألف جنيه فى الشهر و يمكن أكثر، و الشاب عندما يطلبه للعمل بالوزارة يرفض بحجة أنه يقبض ست مرات ضعف الراتب المعروض، و نظم حياته على ذلك مع ذلك عندما طلب د. على عبد العال بتخفيض المعاش من 80% إلى 25% انصاع للطلب و أقل من ذلك سيكون أمرا صعبا جدا. هكذا يتضح من الواقعة أن هناك خلافا بين وجهتي النظر.. واحدة تمثل السلطة التنفيذية تنظر نحو وضع الوزراء ترأف بحالهم فتطالب بإعطائهم مرتبا و معاشا مجزيا جذبا لهم للإقبال على تلك المناصب و تعويضا لهم عما يبذلونه من جهد و يتحملونه من متاعب و مشاق و انتقادات حادة بوسائل الإعلام حتى لو كان الجزاء مختلفا بقواعده عن بقية موظفى الدولة، و تقارن ما بين ما يحصل عليه الوزير و ما يحصل عليه لو أدار مؤسسات رأسمالية كبيرة أو مؤسسات دولية. ممثل الثورة وجهة النظر الأخرى شعبية تقارن ما يحصل عليه الوزير ببقية فئات الشعب من أجور متدنية و معاشات أقل تدنياً. يتجاوز الفرق فيها أكثر من أربعين ضعفا بينها و بين أقل راتب، و من المفترض أن لا يزيد عن عشرين ضعفا و بذلك يتجاوز أحد أهداف ثورة يناير العدالة الاجتماعية، و قد مثلها مجلس النواب و رئيسه فى موقفهم الأخير. بما أن سلطة التشريع تخص فى النهاية مجلس النواب من هنا كانت له اليد العليا و إصرار على عبد العال أنه لن يمشي هذا القانون. هذا جيد أن يكون للمجلس دور فى اتخاذ القرار و لا يكون تابعا للسلطة التنفيذية و يذكرنا هذا بقانون الخدمة المدنية عندما اعترض عليه مجلس النواب ثم تم الضغط عليه فأعيد من جديد و تمت الموافقة عليه. الالهام فى كل شيء المشكلة أن كل الوزراء لدينا تكنوقراط لا يمثلون حزبا أو تيارا سياسياً يسعون إلى نجاحه حين توليهم الوزارة لذلك تأتي الحسابات المادية عند كثير منهم فى المقام الأول.. هل ما سآخذه من الوزارة يساوي تعبها و همها أم الوظيفة الأصلية أربح ؟. من هنا تأتي نسب الرفض الكبيرة. بالطبع هناك شخصيات تسعى إذا تولت منصبا يكون كل تفكيرها تحقيق مصالح وطنية بعيدا عن حسابات المكسب و الخسارة المادية لعل الرئيس السيسي نفسه من أبرزهم عندما تنازل عن نصف راتبه بل و اعتبر النصف الآخر الذي يحصل عليه كثيرا عليه – و لا نعرف هل هذا الموقف اختلف بعد تعويم الدولار -. لم نسمع أن وزيرا واحدا أو محافظا فعلها مثل الرئيس برغم أنهم يكررون كثيرا أنه ملهمهم.. يبدو فى كل شيء إلا هذه النقطة. لعل الوزراء التكنوقراط سيكونون أنسب للوضع القائم لأنهم سيكتفون بتنفيذ سياسات عامة معدة سلفا من تشجيع القطاع الخاص و المستثمرين، و النوعية الأخرى من الوزراء أصحاب الانتماء السياسي سيكونون بالتأكيد أقل مرونة و سيضعون بصمتهم على السياسة العامة. كلما تعددت مراكز اتخاذ القرار فى الدولة كان القرار السياسي أكثر أمنا و صحة و تعبيرا عن قوى متعددة فى المجتمع.. لا قوى واحدة بشرط أن لا يصل الصراع بينها إلى التنافر و تكسير العظام و المغالبة كما يحدث فى أمريكا على عهد الرئيس ترامب. فى النهاية لا نملك إلا تحية رئيس مجلس النواب لممارسته دوره حتى لو اصطدم بالسلطة التنفيذية نحن ننتظر من د. على عبد العال أن يعيد تكرارها لمصلحة الوطن. د. هشام قاسم