كانت زيارة سريعة للمنصورة يوم الجمعة الماضى تلبية لدعوة من حزب التجمع و عدد من الأحزاب و القوى السياسية فى الدقهلية. طلبوا من الدكتورة كريمة كُريِّم و منى التحدث عن الاقتصاد المصرى فى مؤتمر جماهيرى نظموه مساء فى مدينة دكرنس. الطريق إلى المنصورة أعاد لى الكثير من الذكريات. فعلى أرض ميت العز خطوت خطواتى الأولى. و من مياه النيل فى الرياح التوفيقى و فرع دمياط ارتويت، و فى مياههما أيضا تعلمت السباحة و أصبت بالبلهارسيا. انزعجت لاختفاء معظم أشجار الكافور و السرسوع العملاقة التى طالما استظللنا بها على ضفاف التوفيقى. كما تألمت لانكماش فرع دمياط فى المنصورة بسبب أعمال الردم و البناء على شاطئيه، حتى أصبح عرضه الآن نصف ما كان أيام زمان. لكن ما خفف من وطأة ذلك أن زيارتنا تزامنت مع الذكرى العطرة لواحدة من أعظم المعارك الجوية فى التاريخ- فى سماء المنصورة يوم 14 أكتوبر 1973. إنها المنصورة دائما، التى هزمت الصليبيين و أسرت لويس التاسع عام 1250. قبل المؤتمر دعانا الصديق الدكتور محمد غنيم، مؤسس مركز أمراض الكلى و المسالك البولية بجامعة المنصورة و مديره السابق و رائد زراعة الكلى، لزيارة المركز. هناك، التقينا مجموعة من الأساتذة ودار معهم حديث شيق حول نشاط المركز و إدارته و رسالته و فلسفته. قالوا: المرضى جميعا سواسية، كلهم يقطعون تذكرة الكشف بجنيه واحد و يحصلون على العلاج و الدواء مجانا. التمويل من جامعة المنصورة مع بعض التبرعات كان كافيا. لكن تعويم الجنيه خلخل ميزانية المركز. اصطحبنا الدكتور غنيم فى جولة بين أقسام المركز و مرافقه المختلفة. نظافة .. نظام .. هدوء .. انضباط .. مرح! إنه صرح عملاق للتعليم و البحث العلمى و العلاج، يفد إليه الأطباء من مصر و باقى بلاد العالم ليتدربوا و المرضى ليعالجوا. تحية للدكتور غنيم و زملائه و كل العاملين فى أيقونة المنصورة. فى الطريق من المنصورة إلى دكرنس. مررنا بالعديد من القرى و البلدات. رأينا أشياء مبهجة و أخرى محزنة. من الأشياء المبهجة أذكر بالذات قرية سلامون القماش (مركز المنصورة)، التى اكتسبت شهرة واسعة فى صناعة التريكو. و يقال أن هناك على الأقل مكنة تريكو، إن لم يكن أكثر، فى كل بيت. حقا، إنها قرية منتجة، و حالة جديرة بالدراسة. من المناظر الجميلة أيضا منظر ثمار الكاكا تٌرَصِّع جانب الطريق بلونها الأحمر المُصْفَرّ ولمعان قشرتها تحت أشعة شمس العصارى. لن أنسى هذا المنظر ما حييت. لم أكن أعلم أن ثمار الكاكا من أهم ما تشتهر به قرى مركز أجا بمحافظة الدقهلية. ذلك أيضا بعضٌ من فيض الريف على المدينة. لكن من المناظر المحزنة على جانبى الطريق منظر حقول الأرز بعد الحصاد، تتخللها محارق القش التى تنفث دخانها الأسود الذى يغطى السماء بالكامل! و أخيرا، حططنا الرحال فى مركز شباب دكرنس، حيث مكان المؤتمر المرتقب. فى قاعة نادى الزراعيين المجاور للمركز، اجتمع حشد كبير من الجماهير يضم كل الفئات و جميع الأعمار. كان موضوع المؤتمر عن الاقتصاد المصرى و عنوانه "الغلابة بين الحكومة و الصندوق". و كان الناس يريدون أن يعرفوا إلى أين نتجه و هل هناك ضوء فى نهاية النفق. و رغم أن المتحدثين ( الدكتورة كريمة كريم الأستاذ بجامعة الأزهر، و العبد لله) لهما توجهات فكرية مختلفة باعتبار أنها ليبرالية و هو اشتراكى، إلا أنهما أجمعا على ضرورة إتخاذ إجراءات جادة لضبط الأسواق و السيطرة على الأسعار. و اتفقا على أن هذا ممكن من الناحية الفنية، بشرط توافر الإرادة السياسية. أشار المتحدثان إلى ضرورة الاهتمام بالزراعة و الفلاح لتحقيق الأمن الغذائى و مكافحة الفقر. كما حذرا من تحويل الدعم العينى إلى نقدى فى ظل عجز الحكومة عن ضبط الأسواق.