من نجاح لنجاح، ومن تألق لتألق هكذا يفاجئنا الفنان المسكون بالموهبة أحمد كمال، المتمكن من أدواته، وقدراته التمثيلية الكبيرة والمدهشة فى مجمل أعماله التى شارك فيها والتى تذكرنا بجيل العمالقة ولعل أبرز أدواره التي وضعته فى مقدمة الصفوف "هارون" فى مسلسل حارة اليهود" و"الشيخ يحيى" فى "واحة الغروب".. ولد الفنان أحمد كمال فى عام 1959، عمل فى السينما خلال فترة الثمانينيات قدم خلالها العديد من الأفلام المهمة، من بينها "يوم مر ويوم حلو"، "الكيت كات"، "مواطن ومخبر وحرامى"، "أسماء"، "قدرات غير عادية"، شارك فى العديد من المسرحيات، كما شارك فى العديد من المسلسلات فى السنوات الأخيرة، منها "ذات"، "فرح ليلى"، "هدوء نسبى"،"حارة اليهود"،وأخيرا مسلسل "واحة الغروب" الذى يعد التجربة الثالثة التى جمعت بين أحمد كمال والمخرجة كاملة أبو ذكرى، بعد مسلسل "ذات" وفيلم "واحد صفر"، كما كان يعقد ورشا تدريبية لإعداد الممثل بشكل منتظم.. فى السطور التالية نص الحوار: ** ما الأسباب التى جذبتك لرواية "واحة الغروب"؟ انا مولع بكل أعمال بهاء طاهر وقرأتها كلها، حتى أعماله المترجمة مثل "ساحر الصحراء"، إن عالم بهاء طاهر شديد الخصوصية، ربما لأنه اغترب وعاش خارج مصر ما جعله يلمس عن قرب أدق المشاعر والاختلافات الجوهرية بين الغرب والشرق، فأعماله مليئة بالصراعات الداخلية لكل شخصية، بالإضافة للغربة الداخلية لدى الإنسان. هذه الرواية تحديدًا قريبة من أى مصرى وطنى، لأن بها مشاعر وروحا مصرية قوية جدًا.. وهى أيضا قريبة منى وتشبهنى إلى حد بعيد، لقد قرأتها مرات عديدة، أكاد أكون حفظتها عن ظهر قلب، وواحة الغروب بها أربع شخصيات رئيسية، وكل شخصية لها منولوجها الداخلى وهذا بالتأكيد يثير حفيظة أى ممثل، إلى جانب قوة ودقة اللغة العربية الفصحى التى استخدمها وأبدع فيها الأديب بهاء طاهر. تغيير العالم ** وما أوجه الشبه بين الرواية والواقع المعاصر؟ الرواية كتبت قبل نحو عشرين عاما، وكثير من أحداثها تشبه إلى حد كبير الواقع الذى نعيشه حاليا، وما يؤكد ما أقول إن العديد من أحداث ثورة عرابى تكررت فى أحداث ثورة 25يناير التى أؤيدها بقوة رغم الإتهامات الموجهة لها، إلى جانب طموحاتنا الداخلية التى نحلم بها، وتمردنا على التقاليد البالية، والشعور بالمرارة والإحساس بأهمية تغيير الأوضاع التى نعيشها فى الاتجاه الأفضل، وشخصية الشيخ يحيى هى لمحارب قديم فشل فى التمرد على التقاليد السائدة ويريد أن يطور ويغير المجتمع، وواحة سيوة تعتبر نموذجا مصغرا للمجتمع.. وأنا كفنان أسعى للتغيير فالفن المحترم يسعى لتغيير العالم نحو الأجمل. الكتابة الجماعية ** وماذا عن شخصية الشيخ يحيى؟ الشخصية مكتوبة بإتقان بالغ، إلى جانب عبقرية أسلوب بهاء طاهر، وقد أضاف كتاب السيناريو للحوار والشخصيات، كذلك المخرجة كاملة أبو ذكرى شاركت فى الكتابة، والممثلين كذلك أضافوا للنص، فقد كانت الكتابة شبه جماعية، وكل هذه العوامل ساعدتنى على الأداء على هذا النحو والإضافة، خاصة أن الممثل له إضافاته الخاصة، إحساسه بالواقع المعيش، الإيقاع، النظرة التأملية، السن، الحكمة الشديدة، لدرجة أن نبرة صوتى إختلفت إلى حد ما، وكذلك حركتى أثناء السير تغيرت إلى جانب ملامحى التى تبدلت تماما لدرجة أن المقربين منى لم يعرفوننى فى الحلقات الأولى. الإمساك بالشخصية ** لمسنا مع النقاد والجمهور حالة التوهج الفنى التى وصلت لذروتها فى تجسيد أعمالك الأخيرة.. ماتفسيرك؟ بصراحة كل الشخصيات التى لعبتها كنت أعكف على دراستها بعمق، أذاكر مثل التلميذ، أغوص فى قلب الشخصية، وفى قلب المشاهد، أؤدى بدون صوت عشرات المرات حتى الاندماج والذوبان مع الشخصية، وهذا الإسلوب يشحن الممثل ويجعله فى قلب الحالة أو الشخصية.. وأى عمل تاريخى شاركت فيه مثل"حارة اليهود" لابد أن أقوم بقراءة الكتب التى تناولت تلك الحقبة إلى جانب مشاهدة الأفلام التسجيلية التى لها علاقة باليهود، وكذلك مسلسل "واحة الغروب" وقبل البدء فى العمل قمت بقراءة العديد من الكتب عن واحات مصر، وواحة سيوة على وجه الخصوص حتى أقترب من هذا العالم، وهو ما ساعدنى على الإمساك بشخصية الشيخ يحيى. ** بماذا تفسر ندرة أعمالك خلال العقود السابقة؟ هل لابتعاد المنتجين أم التجاهل والتهميش داخل الوسط الفنى وراء ذلك؟ أعترف بأنى بطيئ مثل السلحفاة، لذلك أعتبر نفسى المسئول الأوحد عن ندرة أعمالى، لأنى لا أعمل إلا الأدوار التى أحبها، التى أراها تحمل رسالة أو صرخه أو تخاطب العقل، إعمالا بالمثل القائل "إعمل ما تحب لتحب ما تعمل"، وقد ساعدتنى ظروفى الإقتصادية على التأنى والتركيز فيما أختار، ولا ألهس وراء أى دور مثلما يفعل البعض نظرا للحاجة المادية.. وقد عملت كثيرا خلال تلك المرحلة فى المسرح، ولكن للأسف الأضواء لاتسلط على المسرح بصفة عامة. أعشق التأمل ** هل شعرت بالظلم خلال تلك المرحلة؟ ليس لدى هذا الإحساس إطلاقا، انا استمتع باختيارى، ولو التاريخ عاد بى للوراء سوف أختار نفس الطريق الذى سلكته وذات الأدوار التى لعبتها، هذا إلى جانب أنى لا أحب الإكثار من العمل بل أعشق التأمل حتى أستوعب وأهضم ما أقدمه. وجهة نظر ** خمسة أعمال سينمائية هى حصاد تجربتك الثرية مع المخرج داوود عبد السيد؟ كيف كانت تلك التجرية؟ إلى جانب إن داود عبد السيد مخرج كبير فهو أيضا كاتب بارع، أنا أحب عالمه وشخصياته لأنها قريبة منى أيضا، وفيها الروح والآلام المصرية، هو بحق فيلسوف السينما المصرية، والعمل معه ممتع لأنه لديه رؤية للحياة، وصاحب وجهة نظر عميقة، لذلك إنتاجه الإبداعى قليل مقارنة بعمرة الفنى، بإختصار تقارب الأفكار بيننا جمعنا فى أكثر من عمل. نقلة ملموسة ** كيف تنظر لحال السينما المصرية الآن؟ السينما (بتقاوح وتعافر)، فى تقديرى أزمة السينما ليست أزمة صناعة، وأعتقد أن مشاكل السينما مثل مشاكل الحياة، مع ذلك هناك محاولات جادة فى تغيير شكل الفيلم، وشاهدنا فى مجال التصوير حدوث إنجازات رائعة، كذلك الملابس والإكسسوارات، وطريقة الإخراج ذاتها بها نقلة ملموسة.. المشكلة العظمى والأزمة الحقيقية التى تواجه صناعة السينما فى نظرى تكمن فى الكتابة، نعم لدينا مشاكل عميقة فى الكتابة، نظرا لندرة الكتاب الجيدين للأسف. تدريب الممثل ** ماذا عن الورش الفنية التدريبية لإعداد الممثل؟ حدثنا عن تلك التجرية؟ للأسف توقفت منذ عامين، على الرغم من أنى قمت بالتدريب على التمثيل لأكثر من عشرين عاما، وتدربت أنا من قبل على يد كبار المدربين المصريين والأجانب فى أمريكا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وشاركت فى مسرحيات كثيرة وأخذت (كورسات) كثيرة وأنفقت الكثير عليها.. وأول من تدربت على يديه فى مصر هو الدكتور الجليل نبيل منيب، أول من أقام ورش تدريبية فى مصر، وكان ذلك فى منتصف السبعينيات، وبعد تلك الرحلة من التعلم طفت قرى ونجوع مصر وأقمت الورش الفنية للتدريب فى القاهرة ومعظم المحافظات، وكان ذلك فى ستديوهات خاصة، مثل ستديو محمود حميدة وستديو ذات ومكتبة الإسكندرية، ومسرح الهناجر وقصور الثقافة، حقا إنها رحلة طويلة من تدريب الممثل، وكان شغلى الشاغل هو محاولة خلق جيل متميز من المبدعين الشباب. ** أخيرا ما هو الدور الذى تحلم بتقديمه؟ انا دائم البحث عن أدوار جيدة فيها عمق، وصراعات داخلية، أدوار مختلفه شكلا ومضمونا. أحب أن أعمل فى شىء وأركز فيه وأتأمله، حتى لا ترتبك حياتى الخاصة، فأنا لا أحتمل الضغط والإجهاد العصبى".