لست أقصد بعنوان هذه اللقطة والدتى التى أنجبتنى و راعتنى حتى صرت رجلا. إنما أقصد مصر التى فى خاطرى و فى دمى. أقصد بهية، المحروسة، كنانة الله فى أرضه. هى التى على أرضها نشأت، و من نيلها ارتويت. فمصر بالنسبة لى هى الغاية، إنها البداية و النهاية. هى الجغرافيا و التاريخ، و البشر و الحجر. عفوا عزيزى القارئ؛ لم أقصد مراوغتك. بل رأيت أن أطرح هنا منظورا مختلفا لعيد الأم: منظورا أكبر و أشمل. منظورا يركز على الجماعية بدلا من الفردية، على الباقى بدلا من الفانى، على الوطن بدلا من الدولة. و هى أيضا مقدمة عاطفية لكلام غير عاطفى حول التحدى الوجودى الذى يواجه مجتمعنا حاليا. و أرجو أن يتسع صدر السيد الرئيس و باقى المسئولين لما سأقول. خلال الفترة من 13 إلى 15 مارس 2015 جرت فعاليات "مؤتمر دعم و تنمية الاقتصاد المصرى" فى شرم الشيخ بمشاركة أكثر من ألفى مندوب من 112 دولة مختلفة. و قتها، ارتفع سقف التوقعات إلى عنان السماء، و أعلن رئيس الوزراء آنذاك المهندس إبراهيم محلب أن الحصيلة النهائية للاستثمارات والقروض التي حصلت عليها مصر فى المؤتمر بلغت 60 مليار دولار فضلا عن تعهدات بدعم خليجي قدره 12.5 مليار دولار. وفى اختتام المؤتمر قال محلب إن المؤتمر حقق "نتائج مبهرة". و زاد على ذلك أشرف سالمان،وزير الاستثمار و قتها، معلنا أن حصيلة ما تم التوقيع عليه من اتفاقيات وعقود ومذكرات تفاهم وصل إلى 175٫2 مليار دولار (منها 15 مليار دولار اتفاقيات استثمار تم التوقيع عليها بشكل نهائى و18 مليار دولار اتفاقيات بناء وتوريد وتمويل، و5٫2 مليار دولار قروضا ومنحا من مؤسسات التمويل الدولية، و92 مليار دولار مذكرات تفاهم لمشروعات جديدة وتوسعات فى مشروعات قائمة، بالإضافة إلى مذكرة التفاهم الخاصة بمشروع إنشاء عاصمة إدارية جديدة لمصر باستثمارات 45 مليار دولار). ثم راحت السكرة وجاءت الفكرة، كما يقول المثل. أصبح القاصى و الدانى يعرف ما آلت إليه أحوال مصر الإقتصادية. و المواطن الذى استبشر خيرا بمؤتمر شرم الشيخ يعانى من أوضاع معيشية بائسة. المحتكرون يعربدون فى الأسواق و الغلابة يدفعون الثمن و الحكومة تتباهى بالإصلاح و الاقتصاد الحر. تعقد اتفاقا بقرض مع صندوق النقد دون موافقة البرلمان بالمخالفة للدستور. و تستدين بلا حساب من كل من هب و دب. أصبحنا نعيش فى حالة انتظار: انتظار عودة السياحة الروسية، انتظار وصول شحنات المواد البترولية السعودية، انتظار تدفق الإستثمارات و المعونات الأجنبية، انتظار بعثة صندوق النقد للحصول على الشريحة الثانية من القرض… إلخ. فلماذا تبحث حكومتنا دائما فى الخارج عن حلول لمشكلات الداخل؟ و تصيح الإعلانات الرسمية فى بلاهة محزنة: "يا مصر، بالإصلاح الجرىء انطلقنا على الطريق"! و يكاد المرء يضحك من شر البلية، أى تلك الإعلانات السخيفة فى الإعلام الحكومى التى يظهر فيها "زعيط و معيط و نطاط الحيط" ليحدثونا عن روعة الإصلاح الإقتصادى و نجاحه غير المسبوق! فى الختام: كلمة صادقة و دعوة صريحة إلى السيد الرئيس عبد الفتاح السيسى بإعتباره ولى الأمر. أولا، كل سنة و سيادتك و أمنا الغالية مصر بألف خير. ثانيا، من منطلق "صديقك من صدقك"، اسمح لى أن أضع أمامك صورة موجزة و لكنها دقيقة للحالة الاقتصادية لوطننا المُفَدَّى. و طبعا الحالة السياسية لا تنفصل عن الاقتصادية. إن اقتصاد البلاد مضطرب و الإنتاج يعانى. و التعويم ليس هو الحل، كما ظهر بوضوح فى التطبيق. و الناس تكابد فى صمت و صبر، لكن للصمت و للصبر حدود، كما تكشَّف فى أزمة الخبز الأخيرة. كما أن السياسات التى تطبقها الحكومة لا تحظى بالتأييد الشعبى، و هذا وضع خطير من الناحية السياسية. مصر الأن فى أمَسّ الحاجة إلى مشاركة جميع القوى السياسية و كل الخبراء الوطنيين فى عمل تشخيص سليم لأوجاعها الإقتصادية ووضع الحلول المناسبة. و بناء على ذلك، فإننى أرجو من سيادتكم تبنى اقتراحى هنا بعقد مؤتمر اقتصادى تشارك فيه الحكومة و الأحزاب و القوى السياسية و الخبراء لمناقشة مشكلات الاقتصاد المصرى و تقديم بدائل للسياسات فى المجالات المختلفة. و لعل سيادتك تتفق معى أن عيد الأم مناسبة طيبة لطرح هذا الاقتراح للنهوض بالوطن. و سيسعدنى عمل كل ما يلزم فى هذا الاتجاه فداء لأم الدنيا و شعبها الصامد الصابر. و فقك الله لخير البلاد و العباد.