على شاشات دور العرض بأسوان، أقيمت فعاليات مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة فى دورته الأولى، ولأن دور العرض هذه تتبع مؤسسات وليست دور عرض عادية كالتي نعرفها فى شوارع القاهرة والاسكندرية وعواصم العالم، وأيضاً فى عواصمالمحافظات المصرية قبل أن تنقرض أو تغلق، فإنها كانت مجهزة جيدا للنقاشات والندوات، بداية من ندوة عن تاريخ المرأة فى السينما بحضور خبيرة تعمل فى ( السينماتيك ) الفرنسي والدكتور خالد عبد الجليل رئيس المركز القومي للسينما حاليًا والمسئول منذ سنوات عن مشروع إنشاء ( سينماتيك ) لحفظ أصول السينما المصرية التي تزيد على خمسة آلاف فيلم، وأيضا كمشروع إقامة أرشيف تحفظ به نسخ العرض للأفلام المصرية وهذا حديث آخر لأن ماجاء بهذه الندوة المهمة التي بدأت بها أعمال المهرجان يحتاج للتوقف عنده، فيما بعد، خاصة بعد حفل الختام الذي أقيم مساء الأحد الماضي بالقاعة الكبرى بأحد فنادق أسوان الكبرى والذي كان المقر الرسمي للمهرجان، ولأعمال لجنتي تحكيم الفيلم الطويل والقصير، ولجنة تحكيم النقاد التي تتبع جمعية نقاد السينما المصريين العضو فى الاتحاد الدولي للصحافة السينمائية ( الفيبريس )،والتي أعطت جائزتها للفيلم الأسباني ( الباب المفتوح،بينما حصل الفيلم الفنلندي ( جناح صغير ) على شهادة تقدير لمخرجته كلما فيلهونية.. وقد عرض فى المسابقة الأولى للفيلم الطويل ثلاثة عشر فيلماً، منها ثلاثة أفلام وثائقية هي الفيلم الذي حمل جنسية مخرجته الكندية وبلد إنتاجه فنلندا وعنوانه ( ابتهج ) والمخرجة هي كاتي جارلاند التي تتتبع حياة طفلة تكبر فى إطار وحدة داخلية عميقة بسبب رحيل أمها التي كانت السند لها، ومع رعاية الدولة ومؤسساتها وصديقاتها إلا أنها تشعر بالاحتياج إليها، خاصة وهي تمارس الرياضة فى فريق للفتيات وتحتاج للتشجيع الحقيقي مثل غيرها، أما الفيلم الوثائقي الثاني فهو يمزج بين التحريك والدراما أيضا من خلال رحلة بطله الرحالة على مدى نصف قرن رأي فيها العجائب وما يخص الفيلم بالمهرجان هو أن مخرجته وكاتبته ومصورته امرأة هي ( انكاداميان ) من رومانيا أما ( صائدة النسور ) فهو على العكس، فيلم عن امرأة غير عادية صنعة رجل هو المخرج الأمريكي أوتوبيل والأحداث تدور فى جبال وصحارى آسيا الوعرة حين تتطلع ابنة صائد للنسور إلى أن تصبح مثله على غير عادة النساء هناك، وتفلح ( أبشوبلان ) فى أن تحقق هذا بمساعدة أبيها المحب وضد رغبة رجال المنطقة الذين احتكروا المهنة وفى المهرجان السنوي لصيادي النسور تحصل الفتاة على المركز الأول وتعود منتصرة هي والأب. أخضر يابس.. ولالا زبيدة بين أفلام المسابقة فيلمان عربيان الأول هو ( أخضر يابس ) من مصر للمخرج ( محمد حماد ) والذي كتبه أيضا و يدور حول أزمة شقيقتين تعيشان بمفردهما بعد رحيل الأب والأم وسوف تعود إليه، أما الثاني فهو الفيلم الجزائري ( لالا زبيدة وناس ) أخراج يحيي مزاحم عن سيناريو لحفيظة مريمش والذي يطرح قصة من التراث حول الحياة اليومية لمجموعة من العائلات المقيمة بمنزل كبير يملكه الحاج عبد الرحمن داخل حي القصبة القديم، وحيث تحاول زوجة الحاج ( لالا زبيدة ) المسيطرة على كل ما يحدث داخل بيوت المقيمين، غير أنها تفقد سيطرتها حين تنجح ابنة إحدى الجارات فى اقتناص " الحاج " لتصبح زوجته الثانية، ومن الجدير بالذكر أن قاعة العرض امتلئت عن آخرها بطالبات كليات التربية والتمريض الأسوانيات، وأنهن كن متفاعلات مع الفيلم الجزائري برغم اختلاف اللهجة وصعوبتها أحيانا، غير أن أهم الرسائل هنا هو أن التعامل مع الفن والسينما يبدأ من المشاركة والتعود على الاختلاف، سواء اختلاف نوعيات الأفلام مما يعرض على شاشات العرض العامة، أما على شاشات التلفزيون، ولأن شاشات العرض العامة غير موجودة، والتليفزيون لا يعرض الأفلام المختلفة، فإن لوجود المهرجان أهميته فى فتح آفاق ثقافية متعددة ومختلفة لجمهور المدينة، بشرط أن يتم إعلان هذا الجمهور وتسهيل حضوره قبل المهرجان بوقت كاف، وهذا ما طالبت به مجموعة من طالبات الجامعة والقيادات النسائية فى المدينة. الباب المفتوح الباب المفتوح.. هو الفيلم الأسباني الذي حصل على جائزة أفضل فيلم فى مسابقة الأفلام الطويلة من لجنة التحكيم التي رأستها المخرجة والكاتبة هالة خليل وضمت عضوات من ألمانيا وجورجيا والصين والهند، ومن المفاجآت السارة أنه نفس الفيلم الذي حصل على جائزة لجنة تحكيم النقاد برئاسة ماجدة موريس وعضوية محمد الروبي ورامي عبد الرازق، وهي الجائزة التي تمنحها جمعية نقاد السينما المصريين عضو الاتحاد الدولي للصحافة السينمائية ( الفيبريس ) وتهدي باسم الناقد الكبير سمير فريد والفيلم أي الباب المفتوح كتبته وأخرجته مارينا سيريسكي الأرجنتينية المولد والعالمية، العمل والجوائز أيضا، وتدور أحداث الفيلم فى بيت قديم يحفل بسكان مختلفين فى كل شيء ومشاعر غاضبة من بعضهم البعض، خاصة حين تتعدد الجنسيات والأعراق لدى بعض من يعملن فى نفس المهنة والمكان كفتيات ليل، أو حين يصبح هاجس أي نساء أخريات حماية أنفسهن وأزواجهن من هؤلاء الجارات.. وهو ما يحدث مع ( روزيت ) التي تكره كل شيء، أمها، وأخيها وجارتها الروسية وتلك الأخرى التي تطاردها بسبب زوج يطاردها هو الأخر وفى وسط هذا تأتي أعياد الميلاد بمفاجآتها ومعها هدايا ثمينة تصل ( روزيت ) من شقيقها المتحول والذي يلقي القبض عليه بتهمة السرقة فيذهب سعيداً بأنه فعل شيئا من أجل شقيقته الكبرى ومن أجل الطفلة اليتيمة، ابنة الروسية التي توفيت وتركتها وحدها حتى استقرت لدى هذه الأسرة، وليصبح مصيرها معلقاً برغبة روزيت فى الخلاص من المكان، والناس والمدينة كلها وبداية حياة جديدة، نظيفة.. مع الطفلة.. إنه فيلم يحرض الإنسان على أن يكون انسانا وينسى اختلافه عن جاره أو رفضه للقادمين من بلاد أخرى أو المتأزمين صحياً واجتماعياً وقد استطاعت بطلته كارمن ماتشي أداء دورها ببراعة وفهم كبيرين هي وكل ممثلي وممثلات الفيلم الذي دارت أغلب أحداثه بين الحجرات الضيقة وعلى السلالم وأمام الشقق السكنية وفى الشارع القريب عدا المشهد الأخير الذي هربت فيه البطلة حاملة معها الطفلة إلى مدينة أخرى وسكن آخر يتسع لمشهد البحر الساحر وضوء الشمس يخترقه والاثنتان تقفان فى حالة نشوة وصلت إلينا نحن المتفرجين. ومن الجدير بالذكر هنا أن الجوائز طالت أفلاما أخرى رائعة مثل الفيلم الفنلندي ( جناح صغير ) والفيلم البنجلاديشي ( تحت الإنشاء ) إخراج روبيات حسين والفيلم الأرجنتيني ( صديقي من الحديقة معك ) التي حصلت على جوائز نوعية من لجنة التحكيم الرسمية بينما حصل الفيلم المصري على جائزة أفضل ممثلة لبطلته هبة على وهذا هو فيلمها الطويل الأول بعد عدة أفلام قصيرة مع نفس المخرج محمد حماد وفى إطار اختيارات خاصة لممثلين أقرب إلى الهواة وميزانية تفى تصوير فيلم مستقل بصعوبة.. لكنه التحدي الذي قبله المخرج الشاب.. وفى النهاية فإن مهرجان سينما المرأة بأسوان أثبت أن لديه الكثير مما يقدمه فى دوراته القادمة خاصة مع إطلاقه لمنتدى ثقافى تشرف عليه الكاتبة والناشطة عزة كامل تحت عنوان ( منتدى نوت ) وشعاره ( معا بالفن نناهض العنف ضد المرأة ) وبمشاركة عدد من ألمع الشخصيات المهتمة بهذا الشأن فى مصر والدول العربية والبعض من خارج مصر وحيث استطاع هذا المنتدى خلق حالة حوار مع نساء الجنوب عامة ونساء أسوان خاصة وأيضا رجال لهم تجارب وخبرات عريضة فى العمل الأهلي ورؤى لما يمكن للثقافة والفن تقديمه فى مجتمعات جنوب مصر.. وأيضا كانت هناك مجموعة ورش لتعليم شباب وشابات أسوان فنون التصوير والتحريك والكتابة، وكان فريق عمل المهرجان فى حالة تفاعل دائم مع ما يطرح من أفكار فى ظل دعم مسئولي الدولة سواء بالحضور أو التواجد الدائم غالبا، وأيضًا دعم محافظ أسوان وهذا أمر مهم وبينما بدأ رئيس المهرجان محمد عبد الخالق ومديره حسن أبو العلا رحلة شاقة لتدشين مهرجان دولي فى خطوته الأولى فإن رئيسة شرف المهرجان إلهام شاهين كانت مثل أم العروسة تسعى لحضور كل الأطراف ودعوة الجميع إلى المشاركة وهو ما خلق حافزا لكثير من زملاء وزميلات المهنة والسينما عموماً لتلبية الدعوة إلى الجنوب، والمدينة الساحرة ومواطنيها الكرماء الخلوقين.. ونيلها الساحر الذي وقع فى غرامه الضيوف الأجانب.. وفى الدورة القادمة على فريق المهرجان أن يدرس جيداً كيف يجتذب أعدادًا أكبر من الأسوانيين إلى قاعاته.. وأن يخصص ميزانية لترجمة الأفلام الأجنبية إلى العربية وأن يكتشف مواقع أخرى غير القاعات " الشيك " لعروض الأفلام والنقاش حولها مع الناس.. كما يفعل مهرجان الإسماعيلية والقادم أفضل.