لقد كان الامام محمد متولي الشعراوي جوادا كريما في امور الخير. محبا عاشقا للاعمال الخيرية. يسكن منطقة الحسين فيقرب المسافات بينه وبين الفقراء. يتولي وزارة الاوقاف فيأمر الحراس بعدم منع الفقراء والمساكين من مقابلته. يود أهالي قريته علي الدوام ويقدم لهم المساعدات طوال العام ويكثف الجرعات في شهر رمضان. ويمنحهم فرص الحج والعمرة. وحين استقر الشيخ بمنطقة السيدة نفيسة رضي الله عنها بالقاهرة قام بتسمية استراحته "مبرة الشيخ الشعراوي". وكلمة مبرة. يقصد بها البر. ليبر بها زواره وأهالي المنطقة من ملبس ومأكل ومشرب حتي إنه خصص ثلاث وجبات يوميا تقدم للمساكين والفقراء وأصحاب الحاجات مما جعل الأشقياء والخطرين يحرصون علي التوجه الي مبرة الشيخ الشعراوي لحمل الطعام لأولادهم بدلا من ممارسة السرقة. بل وزاد الأمر إلي أنهم كانوا يطلبون مقابلة الشيخ ويطلبون منه المساعدة فكان يعطيهم بعدما يطلب منهم أن يتوقفوا عن السرقة ومنهم من تاب توبة نصوحة علي يديه رحمه الله. وحدث بالفعل أن قام محمد إسماعيل - بشرطة السياحة بزيارة الشيخ ولاحظ الشيخ أن ضيفه يود أن يتكلم في أمر ما ولكنه متردد. ولما أراد الاستئذان قال له الشيخ: أراك تخفي شيئا عني يا محمد. فقال له محمد إسماعيل: والله يا مولانا أنت تعلم حبي لك وأنا بالطبع لم آتي إلي هنا إلا من أجل الاطمئنان عن فضيلتك مع أحد مصابي الحرب. وكان في ضائقة مالية فقال للشيخ: والله يا مولانا إنني لم آت إلي هنا إلا لأطمن علي فضيلتك وعلي صحتك وأجدد رؤيتي إليك بين الحين والحين. ولكني في هذه المرة مضطر لأن أقول لفضيلتك ولكني في هذه المرة أردت مساعدة أحد مصابي الحرب الذي فقد رجله ويده في الحرب ولم يعد قادرا علي العمل لإدخال إحدي بناته الجامعة. وأنا يا مولانا لم أتعود أن أطلب منك شيئا ولكني أدعو الله وهو الذي يسوق الخير حيث كان. هنا انتفض الشيخ الشعراوي من جلسته واستأذن ضيفه لبضع دقائق ثم عاد يحمل مظروفا مغلقا وقال لمحمد إسماعيل: أرجو أن توزع ما بداخل هذا المظروف مناصفة بين هذا الرجل - المصاب في الحرب صاحب الضائقة - والنصف الآخر أعطه لمن يستحق. وأنا أثق في عدالتكم إن شاء الله. وأكمل الشيخ: وقل لهؤلاء إن أحد عباد الله يرجو أن يكون قد وصل من مال الله الي الله بشئ وأرجو منك الدعاء وعدم ذكر اسمي وحين أعطي محمد اسماعيل المبالغ كما حددها الشيخ علموا ان المتبرع بالمبلغ هو الشعراوي وذلك من خلال صداقتي له. ويصر الرجل المصاب في الحرب ان يتوجه للشيخ الشعراوي ليشكره علي اهتمامه فقال له محمد إسماعيل إن الشيخ يرفض أن توجه له كلمة شكر. فقال الرجل: إذا أنكرت النعمة وشكر النعمة من أهل النعمة أكون قد أنكرت فضل رب النعمة. وتصادف وجود الرجل المصاب مع من ساعدهم الشيخ عند الشيخ الشعراوي بواسطة صديقه وقالوا للشيخ: والله ما جئنا لنشكر فضيلتك إلا من تلقاء أنفسنا. فرغم عدم الإفصاح عن شخصيتك إلا أننا أحسسنا أنه من قدم لنا التبرع لم يخرج عنكم يا مولانا فقال الشيخ لهم أنا خادمكم والمال مال الله وأوصاهم ألا يتحدثوا في هذا الأمر ثانية وطالبهم بعدم ذكر اسمه حتي لا يضيع الثواب. رحم الله الشيخ الشعراوي رحمة واسعة وإلي لقاء جديد مع سر جديد من أسراره إن شاء الله.