في كل يوم تنشر الصحف عن تفجير محطة محولات أو ضبط مجموعة تحاول تفجيرها. إما بالمتفجرات أو بأنابيب البوتاجاز المشتعلة. وقد أدلي المتهم الثالث في تفجيرات محطة محولات كهرباء الهرم باعترافات تفصيلية في النيابة بقيامه. مع آخرين. بتفجير محطة المحولات. أما محولات كهرباء الكريمات بالبساتين. فقد ألقي الحارس القبض علي أحد منفذي التفجيرات بمساعدة آخرين. الغريب أن أحد المتهمين يعمل إماماً وخطيباً بالأوقاف. وهناك متهم آخر يعمل ناظراً لإحدي المدارس وثالث يعمل مدرساً وهناك آخرون تخرجوا في كليات عريقة مثل الهندسة والعلوم والحاسبات. وقد ضبط الأمن مجموعة أخري كانت تنتوي تفجير محولات كبري في عيد الفطر.. كما ضبط أمن الشرقية مجموعة رابعة وضعت أنابيب بوتاجاز مشتعلة أسفل المحولات. بعد أن أجرت لها عملية تمويه. وذلك لتصهر حديد الكابلات فتنهار. والسؤال الآن: كيف لإمام وخطيب أزهري أن يقوم بمثل هذه الأفعال ويريد الشر والظلام لبني وطنه.. وكيف يقوم بذلك مدرس وناظر ومهندس دون أن يفكر أحدهم للحظة في حِل ذلك أو حرمته؟ ألم يسأل هؤلاء أنفسهم عن حكم هذه الأفعال. وهل تفيد الإسلام أم تضره؟ وهل تفيد قضيتهم أم تسيء إليها؟ إنني أتوجه إلي مثل هؤلاء بهذه الأسئلة. لقد عجبت لهؤلاء الذين اخترعوا وابتدعوا فكرة تفجير وتدمير كابلات ومحولات الكهرباء التي تنير آلاف البيوت والمصانع والمستشفيات والمحلات والعيادات.. لأن هذه الفكرة ببساطة تصطدم بأصول الإسلام وقواعده وثوابته. فالكهرباء من أسباب الحياة وقطعها من أسباب قطع الحياة. وهل جاء الإسلام بالإحياء أم بقطع أسباب الحياة؟! وهل قطع النور عن الناس عامة. وهو من أسباب الحياة. يعد من أهداف وغايات ووسائل الإسلام. أم مما نهي عنه الإسلام وحرمه وجرمه؟! وهل يسعد هؤلاء بكدر الآخرين وتنغيص حياتهم وتعطيل مصالحهم؟ وهل قطع النور عن عوام المسلمين والناس سيعيد د. مرسي أو شرعيته السابقة أو يعيد الإسلاميين إلي الحكم. أم أنه سيضر المصريين فحسب ويغيظهم؟ وهل قطع النور عن بسطاء المسلمين والناس سيجعل هؤلاء يحبون الإسلام وأهله أم سيحدث العكس؟ أليس في ذلك ضرر بليغ قد يحيق بالطالب الذي سيؤدي امتحانه غداً.. أو بالجراحة التي يجريها الجراح الآن في مستشفي بسيط ليس فيه مولد بديل أو تعطل مولده البديل؟ ألا يُفسد ذلك عشرات من أكياس الدم والبلازما في بنوك الدم في كل المستشفيات؟ ألم ينه الرسول. صلي الله عليه وسلم. عن الضرر والضرار في حديثه الرائع الجامع المانع "لا ضرر ولا ضرار"؟ ألم ينه الرسول. صلي الله عليه وسلم. جيوشه التي تحارب الأعداء عن تدمير كل ما هو نافع للناس جميعاً فقال: "لا تقطعوا شجرة ولا نخلة".. أي أنه احترم الشجرة والنخلة في بلاد عدوه الذي يحاربه لأنها تفيد البشرية كلها؟ ألم يقرأ هؤلاء قول النبي العظيم الرحيم "بينما رجل يمشي بطريق وجد غصن شوك علي الطريق. فأخره فشكر الله له فغفر له". رواه مسلم. وقولته الرائعة وصيحته بها في البشرية كلها ليُعلّمها حب الخير للناس جميعاً: "لقد رأيت رجلاً يتقلّب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي الناس". رواه مسلم. فهذا رجل يتقلّب في الجنة. لأنه يريد الخير للناس الذين يعرفهم أو لا يعرفهم ويكره الشر لهم ويحزن لقطع طريقهم أو مشقتهم وعنتهم.. وشتان بين من يريد الخير للناس. وبين من يتمني مشقتهم وتعاستهم.. ويقطع عنهم مصدراً مهماً من مصادر الحياة. إن رسالة الرسول. صلي الله عليه وسلم. والرسل جميعاً جاءت برفع الإصر والأغلال والمشقة والعنت عن الناس "يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ". وكيف يأمر الإسلام أتباعه بقطع النور والضياء عن الناس.. والإسلام في صفته وفلسفته الأساسية هو نور وضياء للناس.. نور معنوي.. ونور حسي. وكيف يأمر الله أتباعه وأولياءه بقطع النور والضياء عن الناس وقد سمي الله نفسه بالنور "اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ".. وكيف يأمر الرسول أتباعه عن الناس ومعظمهم من المسلمين. وقد سمي القرآن والرسول نوراً مثل قوله تعالي "يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُم بُرْهَانى مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُّبِيناً". كيف تحجب النور والضياء عن الناس مع أن الله نور السماوات والأرض.. وأنار السماوات والأرض لخلقه جميعاً مجاناً ودون مقابل.. وأنار الكون كله لمن أطاعه ومن عصاه.. ومن آمن به ومن كفر به أو جحده.. ومن أحبه أو كرهه.. الله أمر الشمس أن تخرج كل يوم مجاناً لجميع خلقه.. وأحسب أن بعض الذين يفجرون كابلات الكهرباء لو استطاعوا أن يطفئوا نور الشمس عن كل خصومهم ومخاليفهم لفعلوا. إن تفجير كابلات الكهرباء أو خطوطها لن يضر الحكومة شيئاً.. ولن يؤثر علي الحكام والوزراء في شيء.. ولكنه سيؤثر علي هذا الشعب المسكين.. الذي من المفروض أن يرحمه أهل الدين الحق قبل غيرهم.. لا أن يزيدوا من عنته. ومن الذي يحل أن يبقي الناس في الظلام.. ويفرح لذلك ويسعد؟ إن الجريمة الكبري تكمن في استحلال ذلك والفرح به والسعادة بتحقيق التفجير علي أكمل وجه.. والفرحة بغيظ الناس من انقطاع الكهرباء.. وحنقهم علي الحكومة. فالذي يفرق بين هؤلاء والجنائي العادي الذي قد يسرق كابلات التليفون أو الكهرباء أو قطع غيار السكك الحديدية.. أنه يفعل ذلك وهو يدرك حُرمته و قد يخجل منه.. أما الذي يستحل تفجير الكابلات أو خطوط الكهرباء ويعتبرها من الإسلام والدين لهو أكبر جرماً وأعظم إثماً.. لأن استحلال الذنب أعظم من الذنب.. والتكبير والتهليل بتحقيق التفجير وانقطاع الكهرباء أعظم مصيبة.. فهو يفرح لمصائب الآخرين. وهؤلاء ليسوا أطرافاً في خصومة سياسية معه علي منصب أو سلطة. إنها كلها آفات في العقل والقلب معاً.. وأمراض في الفكر والتربية معاً.