قد تبدو كلمة جفاف هينة علي الأذن أو زائلة بمحلول معالجة الجفاف الذي كانت الإعلانات التليفزيونية توصينا بها لمواجهته، لكن الجفاف المتوحش الذي أعنيه هو الناتج المتوقع عن غياب حصتنا من ماء النيل بعد بناء سد النهضة الأثيوبي، الذي سيسلم أصحابه محبس الماء في المنبع بحيث يتحكمون في تعطيشنا وإبادتنا ببطء وتلذذ، تستمتع به أيما استمتاع إسرائيل التي كانت تطالبنا بإمدادها بماء النيل فأبينا. أتصور والعياذ بالله أن تمتد الصحراء إلي ضفاف النيل بعد موت الحقول لتتغير خارطة مصر ويقل عدد السكان بعد الموت البشري بالتدريج.. والصورة الناتجة عن الجفاف سوف تكون مرعبة كأفلام نهاية العالم بحيث تنتشر الجثث الآدمية والحيوانية ولايكون هناك مجال ومتسع لتكريمها بالدفن لكثرتها! وسوف ينحسر ماء النيل بحيث نكاد نري القاع الفقير.. وهذا الكابوس الرهيب في طريقه إلي التحقق مادمنا لم نجد حلا للتفاوض السلمي مع أثيوبيا التي تصر علي أن بناء هذا السد هو حق من حقوقها الراسخة. وفي لقاء تليفزيوني أخير قال المفكر والأديب د. محمد المخزنجي إن مصر تستطيع أن تلجأ إلي القانون الدولي لضمان حصتها في ماء النيل من أثيوبيا بعد بناء السد، كما قال إن بناء السدود العملاقة هو عمل ضد الطبيعة وعلي هذا يكون من الأفضل اقتراح بناء قناطر وسدود صغيرة متفرقة علي طول مجري النهر لتؤدي الغرض منها دون أن تشكل خطرا علي دول المصب مثل مصر. ضبطت نفسي أتعامل بحرص زائد مع كل نقطة ماء فقلت ربما يكون في هذا الخطر الداهم المسمي بسد النهضة الأثيوبي فائدة تعلمنا ما حرص عليه أجدادنا الفراعنة وأودعوه التعاليم المقدسة القديمة حول الحفاظ علي ماء نهر النيل وعدم تلويثه وقد أهملنا هذه التعاليم مع تراكم السنين وآن الأوان أن نعيد احترام النيل، ربما آنذاك تنحسر الغمة ونخرج من تلك الأزمة المائية الرهيبة التي تهددنا بالجفاف والموت البطيء، فهذا هو الكابوس الأشد رعبا من أي أخطار أخري.