فصل جديد تشهده قضية التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، بتوجيه مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي »إف بي آي» اتهامات ل 13 شخصية بالتدخل في الاستحقاق الرئاسي الذي جري أواخر عام2016، وطالت الاتهامات ثلاث شركات روسية أيضا، من بينها شركة إنترنت مقرها في سان بطرسبرج، التي وصفها تقرير »الإف بي آي» بأن هدفها الاستراتيجي كان »زرع الفتنة في النظام السياسي الأمريكي، من بينها الانتخابات الرئاسية لعام 2016» ويواجه ثلاثة من المتهمين تهمة التآمر من أجل التزوير الإلكتروني، بينما يُتهم 5 آخرون بانتحال شخصيات وهمية. ووجه الاتهامات المحقق الخاص روبرت مولر، المكلف بالتحقيق في مزاعم تدخل الروس في الانتخابات الأمريكية. خبراء قانونيون قالوا إن اتهام المحقق روبرت مولر لثلاث منظمات روسية و13 روسيا بالتدخل في انتخابات الرئاسة الأمريكية عام 2016 يمهد الطريق أمام محاكمة أمريكيين ربما ساعدوا هذه المساعي الروسية. وقال نائب وزير العدل رود روزنشتاين للصحفيين إن لائحة الاتهام لا تشير إلي أن أي أمريكي كان علي دراية بالخطة المزعومة. وأضافت لائحة الاتهام أن الروس اتصلوا بأفراد في حملة الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب وأن هؤلاء الأفراد لم يكونوا علي دراية بنواياهم التي كانت تهدف إلي دعم ترامب وتشويه سمعة منافسته آنذاك مرشحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون. لائحة الاتهام جاء فيها أيضاً أن الروس تآمروا »مع أشخاص معروفين وغير معروفين» وهو ما قد يشمل أمريكيين. وقال المدعي الاتحادي السابق باتريك كوتر »رغم أنهم سعوا جاهدين لقول إنهم لا يتهمون أي أمريكي ، إلا أنني لو كنت أمريكيا وتعاونت بالفعل مع الروس فسأشعر بخوف كبير اليوم». البيت الأبيض كان له رأي مخالف إذ أصدر بيانا قال فيه إنه تم إطلاع ترامب بالأمر وإنه »سعيد لأن تحقيق المحقق الخاص يشير إلي عدم وقوع تواطؤ بين حملة ترامب وروسيا». فيما يلتزم مولر الصمت فيما يتعلق بالتحقيق الذي أدي حتي الآن إلي اعتراف بالذنب من مستشار ترامب السابق للأمن القومي الذي كان أحد المساعدين في الحملة الانتخابية بالكذب علي مكتب التحقيقات الاتحادي واتهامات أيضا لمدير حملة ترامب السابق بول مانافورت وشريكه في العمل ريك جيتس. محض هراء موسكو تنفي من جانبها التدخل في الانتخابات ووصف وزير خارجيتها سيرجي لافروف تلك الاتهامات بأنها »محض هراء»، وعلقت ليا ليتمان، أستاذة القانون بجامعة كاليفورنيا، علي رد الفعل الروسي بالقول إن هذا يعني أنه من غير المرجح بشكل كبير أن تقدم الحكومة الروسية أيا من مواطنيها للمحاكمة في الولاياتالمتحدة. وليس هناك اتفاق ترحيل رسمي بين الولاياتالمتحدةوروسيا. ولكن راندال إلياسون المدعي الاتحادي السابق والأستاذ حاليا في كلية القانون بجامعة جورج واشنطن قال إن القانون الأمريكي لا ينص علي أي جريمة بمسمي تواطؤ مشيرا إلي أن مثل هذا التصرف كثيرا ما ينطوي تحت تهمة التجسس.وتابع »في حقيقة الأمر التواطؤ جريمة محتملة... كان هذا واضحا دائما والآن أصبح أكثر وضوحا». وتزعم لائحة الاتهام أن المخطط كان إعاقة عمل اللجنة الانتخابية الاتحادية الأمريكية ووكالات حكومية أخري. ويتهم الادعاء أيضا روسيا بفتح حسابات مصرفية بأسماء وهمية واستخدام بطاقات هوية لأمريكيين بشكل غير قانوني لبث دعاية علي مواقع التواصل الاجتماعي الأمريكية مؤيدة لترامب. متخصصون في القانون قالوا إن مولر لكي يوجه تهمة لأمريكي بالتآمر فهو بحاجة إلي أن يتأكد من أن هذا الشخص كان علي دراية بمحاولة الروس التدخل في الانتخابات وساعدهم وهو مدرك ذلك تماما. وعلي سبيل المثال فإن الناس الذين شاركوا في أنشطة لدعم حملة ترامب يمكن أن توجه لهم اتهامات إذا كانوا علي علم بأن الروس استخدموهم للمساعدة في التأثير علي التصويت. وقال أليكس ويتينج أستاذ القانون بجامعة هارفارد إنه إذا ساعد أمريكي في توجيه التصرفات الروسية فيمكن أن يؤدي ذلك إلي اتهامات أيضا. وتابع وهو مدع اتحادي سابق »إذا عُقدت اجتماعات بين حملة ترامب والروس وشجع مسؤولون في حملة ترامب هؤلاء الأشخاص أو قاموا بتوجيههم فيما يتعلق بأعمال معينة أو زودوهم بمساعدات لتكثيف تدخلهم فإن ذلك سيكون تواطؤا». وذكر خبراء أن لائحة الاتهام التي صدرت لم تشر إلي أن تحقيق مولر يتوسع. بيل جيفريس، محامي الدفاع الجنائي بشركة بيكر بوتس للمحاماة، يعتقد أنه من المهم أن مولر أوضح أن أفرادا بحملة ترامب الانتخابية تعاملوا مع الروس دون دراية بنواياهم. وتابع »إذا توفرت الأدلة بتواطؤ أمريكي كانت (لائحة الاتهام) ستتضمن ذلك». إلا أن المدعي الاتحادي السابق كوتر قال إن ما تضمنته لائحة الاتهام يمكن أن يضم بسهولة المزيد من الأشخاص. 180 درجة في حوار أجرته معه صحيفة التايم في ديسمبر 2016، وبينما كان آنذاك »الرئيس المنتخب»، أكد دونالد ترامب: »لا أعتقد أبداً أن الروس قد تدخلوا في العملية الانتخابية.. قد تكون الصين أو رجل بدين مسترخياً في سريره أقصي جنوب نيوجيرسي»، مبرئاً موسكو بذلك من كل تلميح وتصريح أومأ إلي مساعدته في الفوز بالاستحقاق الرئاسي علي حساب منافسته الديموقراطية هيلاري كلينتون.. وبعد مرور عامين علي ذلك التصريح »لم يعد هناك أدني شك في التدخل الروسي بالانتخابات الرئاسية» وفقاً لعنوان مجلة The Atlantic وهو متغير جديد يجعل استراتيجية دفاع محامي البيت الأبيض تتحول بمقدار 180 درجة. اتهامات وزارة العدل جاءت بناءً علي وثيقة من 37 صفحة قدمها روبرت مولر، وطبقاً لموقع Wired فإن ما قدمه مولر بمثابة »قنبلة عنقودية»، حيث إنه وحتي الساعة لم تُشر وثيقة مولر إلي مشاركة متعمدة من فريق ترامب مع الجهات الروسية، ولكنها تضرب كل ما دفع به الرئيس الأمريكي في مقتل، وهو ما دفع صحيفة نيويورك تايمز كي تتساءل ساخرة في افتتاحيتها »هل ما زلت متأكداً من قدرتك علي اعتبار ذلك أخباراً مفبركة يا سيادة الرئيس؟». وتري الصحيفة اليومية أن وثيقة مولر بمثابة »نسخة مضادة لما دأب ترامب علي ترويجه باعتباره الحقيقة»، حيث حاول الرئيس مرارا »إفقاد تحقيق مولر المصداقية وتصويره علي أنه خصومة سياسية وأن خصومه يطاردونه كالساحرات في العصور الوسطي»، ووجهت الصحيفة كلامها مباشرة لترامب قائلة: يجب أن تتوقف محاولاتك في مساعدة الروس كي يخرجوا من ذلك الأمر دون عقاب». ولكن من الواضح أن دونالد ترامب، الذي تم إخباره بفحوي مؤتمر وزارة العدل قبل انعقاده، لم يأخذ بتلك النصيحة، ففي تغريدة علي منصته المفضلة »تويتر»، كتب مؤكدا »لم يكن هناك أي تواطؤ»، مبرئاً بذلك روسيا من أي تدخل، وهو ما رأت فيه الواشنطن بوست رداً سياسياً »غير ملائم»، وعلقت بالقول: » الرسالة الوحيدة التي يمكن إرسالها للشعب الأمريكي ولموسكو هو أن فلاديمير بوتين مسؤول وأن أمريكا سوف ترد علي هذا الهجوم بالشكل المناسب». وتري الصحيفة أن غياب رد الفعل من جانب ترامب يُظهر الغياب المُحير وغير المقبول للقيادة في البيت الأبيض»، واتفقت النيويورك تايمز مع هذا الرأي وطالبت كلتاهما بتفعيل وتوسيع العقوبات الأمريكية علي روسيا التي تم تبنيها من قبل الكونجرس الصيف الماضي، ولكن هذا يقتضي أولاً أن »يتخطي ترامب مرحلة التردد العجيب تجاه اتخاذ موقف حيال روسيا وأن ينصب تركيزه علي حماية بلده أولاً». أما صحيفة »يو إس ايه توداي» فقد ذهبت لما هو أبعد من ذلك بالقول إن »هذا التردد من قبل ترامب تجاه روسيا قد يكون أساساً لإجراءات عزله من الرئاسة»، أو إجباره علي الاستقالة، وتساءلت الصحيفة: »أين هي الجمهورية الحرة إذا كان الرئيس يتعامي عن تدخل قوي أجنبية في شؤون بلدنا»، وتضيف الصحيفة: »إن حقنا الأساسي في اختيار قادتنا تمت مهاجمته، ورئيسنا لا يكتفي فقط بأنه لا يفعل شيئاً تجاه ذلك الأمر، بل إنه يفضل العيش في حالة إنكار بأن ذلك قد حدث.. إنها خيانة للقسم الذي أدلي به حينما تولي منصبه».. فيما بدت صحيفة وول ستريت جورنال في وضع من يبرر للرئيس بالقول إن » الأدلة المقدمة حتي الآن تكشف أن الرئيس ترامب هو الضحية الأولي لتلك المناورات الروسية، وأنه يجب أن يكون غاضباً بشدة من فلاديمير بوتين، لأن هذه الاتهامات شوهت السنة الأولي من رئاسته وأضعفت سلطته، ويجب عليه الآن أن يعلن غضبه لروسيا نيابةً عن الشعب الأمريكي».