تكررت مؤخرا حادثة الهبوط الأرضي في مناطق متفرقة كمدينة السادس من أكتوبر والعباسية والطريق الدائري وغيرها، أرجعها البعض لرداءة الحجر الجيري في مصر، الذي يسبِّب هبوطا أرضيا يضم شروخا كبيرة وكذلك ارتفاع درجات الحرارة، التي تعمل علي تفتيت الأسفلت. وأشار البعض إلي أسباب أخري للهبوط الأرضي، أهمها زيادة الأحمال بشكل يفوق قوة وتحمل سطح الأرض مما يؤدي إلي هبوطه، بالإضافة إلي بعض المشاكل الهندسية في بناء بعض الطرق الرئيسية من البداية بسبب عدم القيام بالدراسات اللازمة قبل البدء في الإنشاء، وربما تكون التربة بها "طَفلة" بصورة كبيرة أدت إلي انخفاض التربة بعد ذلك مما تسبّب في حدوث الهبوط الأرضي. يقول عادل سعيد أحد سكان منطقة السادس من أكتوبر إن ماسورة مياه هي السبب في الهبوط الأرضي الذي حدث بالقرب من المنطقة التي يسكن بها، فقد انفجرت الماسور تحت الأرض نتيجة للضغط الزائد مما أدي لسقوط الأرض. وهناك في شارع العشرين بمنطقة الهرم يروي شريف الكيلاوي - تاجر - قصة العقار الذي هبطت به الأرض خمس درجات واعتقد الجميع أنه عيب هندسي ولكنهم اكتشفوا أن المشكلة تكمن في التربة نفسها حيث إنها كانت ترعة منذ عشرات السنين وتم ردمها. أما أحمد الطبلاوي - مهندس - فيقول إن هبوطا أرضيا مفاجئا كان سيتسبب له بحادث مأسوي أثناء قيادته لسيارته علي الطريق الدائري، ولكنه انتبه في آخر لحظة، وهو ما جعله يدير عجلة القيادة بكل قوته للجهة الأخري لينجو من موت محقق، وحتي الآن لا يعرف ما سبب هذا الهبوط بطريق سريع كالدائري. ويري د. يحيي القزاز أستاذ الجيولوجيا بجامعة القاهرة أن مشكلة الهبوط الأرضي لها عدة أسباب نطلق عليها أسباب تكتونية أي بفعل قوي الطبيعة، ومنها علي سبيل المثال التصدعات التي تحدث نتيجة عن الزلازل، وهذا النوع غير موجود في مصر سوي في المنطقة التي تجاور الصدوع النشطة بمنطقة نوبيع بالقرب من خليج العقبة، حيث إن هذه المنطقة نشطة زلزاليا وتترك آثارا من الشروخ والصدوع، وهو ما يؤدي للهبوط الأرضي، والأماكن التي تحتوي علي المياه الجوفية التي أدت إلي حدوث هبوط أرضي في بعض المناطق الجديدة نتيجة لارتفاع منسوب المياه وتفاعلها مع التربة التي تذوب فيها. أما في باقي المناطق التي تحدث بها هذه المشكلة فكان أغلبها بسبب قدم البنية التحتية بمعني أن هناك مواسير قديمة للصرف الصحي تنفجر نتيجة لمرور وقت طويل عليها تحت قشرة الأسفلت التي تتكون من صخور دقيقة التحبب تذوب عند اختلاطها بالماء، ومع الذوبان تصبح الأرض رخوة ويحدث لها هبوط نتيجة لتواجد أي حمل ثقيل فوقها، ومن ناحية أخري طبيعة الأرض غير المؤهلة للبناء عليها مثل الحجر الجيري المتواجد بكثرة في منطقة المقطم، والجبس، وأوجدت الهندسة الكثير من الحلول لكل مشكلة ولكن قبل العلاج يجب علي الجيولوجي أولا تحديد المشكلة لمعرفة أي نوع من العلاج يلائمها. وأشار القزاز إلي أنه من المفترض أن تتواجد دراسات جيولوجية لأي أرض سيتم البناء عليها، وللأسف الشديد لا يحدث هذا لأنه لا وجود لما يلزم المرخص له بالبناء بأن يقوم بالدراسات الجيولوجية من قبل شخص متخصص حيث إن المسئول عن ترخيص البناء هو المهندس وليس الجيولوجي، وطالبنا كثيرا بأن تضم رخصة البناء توقيعين للمهندس أولا ثم الجيولوجي، بل وفي كل الدول المتقدمة يسبقه لأنه من يحدد للمهندس نوعية طبقات الأرض، ولكن حتي هذه اللحظة مازال المهندس هو المسيطر علي كل الأشياء في مصر، فالصراع لديهم مادي بحت، والدراسات الجيولوجية في مصر هي مسألة شكلية بدون متخصصين. ويضيف: مع العلم أنه في عمل مشروعات كبيرة مثل السدود والأنفاق لابد أن تكون الدراسات الجيولوجية ملزمة ليتحدد مكان الصدوع والفواصل والشقوق والشروخ حتي يتجنبها المهندس عندما يبدأ في تنفيذ مشروعه، فالجيولوجي هو الوحيد القادر علي معرفة ما إذا كانت الأرض صالحة للبناء أم لا، وهو ما أقرت به الشركات الأجنبية المسئولة عن هذه المشاريع التي تعي تماما أهمية الجيولوجيا في تنفيذ مشروعات ضخمة كهذه وما هي متطلباتها. ومن هنا لابد من إلزام الحي عند إجراء ترخيص لأي مبني بأن يكون هناك توقيع للجيولوجي قبل المهندس حتي يبدأ البناء ويحصل علي الترخيص لأن هذا يكلِّف الدولة الكثير، ومن ناحية أخري لابد من إجراء الصيانات للبنية التحتية وخاصة مواسير المياه والصرف الصحي، ويجب علي المختصين تحديد المناطق المهددة بحدوث هذه الظاهرة التي تنتج عن ردم بعض الترع منذ عشرات السنين، ويقوم بعض الأشخاص بالبناء عليها دون عمل الدراسات الوافية لطبيعة الأرض ومعالجتها، مما يتسبب في حدوث انهيار قوي للأرض وما عليها من مبانٍ تزيد الحمل علي الأرض الرخوة غير القادرة علي استيعاب هذه الأحمال، وحتي أوزان السيارات الثقيلة التي تسير في أغلب الشوارع، فعند إنشاء الطرق لابد أن تكون مقامة فوق تربة ذات طبيعه صخرية صلبة أو أن يكون هناك عمل هندسي يعمل علي معالجة الأرض لنتجاوز مشكلة الهبوط في المستقبل. ويؤكد في نهاية حديثه علي أننا بحاجة إلي خريطة جيولوجية توضح صلاحية الأماكن التي يمكن أن تقام عليها المباني. ويقول د. أسامة عقيل أستاذ الطرق بكلية الهندسة جامعة عين شمس إن الهبوط الأرضي ليس ظاهرة قوية، ولكن ما يحدث نتيجة تسرب مياه أو أي مشكلة بمواسير الصرف، فهي ليست ظاهرة تستحق أن يتحدث عنها الإعلام، وهي عبارة عن تغيُّر حتمي في الأرض لابد من حدوثه، فكل هذه الحوادث ليست إلا نتيجة لتغيُّرات طبيعية في التربة لأنه لا يوجد شبكات مياه وصرف صالحة، وتؤثر المياه التي تتسرب منها علي التربة. ويشير إلي أن حدوث هبوط كل فترة ليس بالمشكلة الضخمة، ولا يمكن منعها إلا إذا تم تدمير البنية التحتية لمصر بالكامل وإنشاؤها من البداية، ورغم كل هذا لن يمكننا أن نضمن عدم حدوثها مائة بالمائة. وأكد اللواء أحمد عاصم المنسق العام للإعلام المروري أنه بالنسبة للهبوط الأرضي وما تعانيه شبكة الطرق المصرية من مطبات عشوائية وحفر وعدم المطابقة للمواصفات الفنية للكثير من الطرق الرئيسية والفرعية، فهو بسبب القصور الواضح تحت مظلة وزارة النقل الممثلة في الهيئة العامة للطرق والكباري والطرق السريعة والمحليات وشبكة الطرق الداخلية الخاصة بالمحافظات. ومن المفترض أن تتوفر الصيانة والمتابعة الفنية في المرحلة المقبلة بشكل أكبر لشبكة الطرق طبقا للمواصفات الفنية والعالمية، وهو ما بدأت في تنفيذه الهيئة العامة للطرق والكباري في الفترة الماضية، وما نأمله هو تنفيذه بهذا الشكل وعدم وجود أي تلاعب، بالإضافة إلي مراعاة الطبقة الأسفلتية ومكوناتها وفقا للمواصفات. وقد عانينا في مراحل عديدة خلال السنوات الماضية من عدم المطابقة الفنية سواء من ناحية درجات الميل علي الجوانب أو بالنسبة لمكوِّنات الطبقة الأسفلتية التي لا تتحمل الأوزان والحمولات الزائدة، فالسلوكيات وغياب القانون سبب من أسباب الهبوط الأرضي، فلو أن هناك قانونا مفعّلا ورجالا ينفذونه بجدية وضمير وإخلاص ومتابعه سنقدر علي الحد من عمليات الهبوط الأرضي والمطبات والحفر، فهناك جانب من المشكلة يرجع للسلوكيات والجانب الأكبر يرجع إلي عملية تسليم الطرق من الجهة المعنية، بالإضافة لقضية المتابعة للصيانه الدورية الخاصة بشبكة الطرق التي أُهمِلت لفترات طويلة جدا. ويوضح عاصم أن هناك بعض الآلات التي تم استيرادها من ألمانيا ويتمني أن نحصد ثمارها، فنحن نتحدث عن أربعة آلاف كيلو متر وهي مساحة شبكة الطرق الجديدة. ويشير إلي أن من أفضل التطورات في شبكة الطرق هو ما حدث بطريق السويس الصحراوي من تمهيد حارة أسمنتية للنقل الثقيل، وهو فكر ناجح ونأمل في تعميمه علي كل الطرق السريعة.