زاحم الشباب الفتيات في الكثير من الأعمال الخاصة بهن مثل الطبخ، وتصميم الأزياء، وتصفيف شعر النساء، وغير ذلك، فقررت حواء عدم الوقوف مكتوفة الأيدي، وقررت اقتحام أعمال كان الرجال يظنون أنها حكر عليهم مثل السباكة، ومحطات الوقود، وبيع إطارات السيارات، وإذا كان الرجل لم يتخل عن رجولته من خلال امتهانه أعمال السيدات فإن المرأة أيضاً لم تتنازل عن أنوثتها، وهي تخوض تجارب ناجحة في مهن مختلفة حققت من خلالها النجاح واستحقت احترام من حولها. في إحدي محطات البنزين تستقبل رباب محمد "إحدي العاملات"، زبائنها بابتسامة مرحبة، وتتحدث عن عشقها لكل ما هو مختلف وجديد ولم يتطرق له أحد من قبل، وتقول: "لم أتردد لحظة في مغادرة مهنة التدريس لأتقدم للحصول علي هذه الوظيفة في محطة الوقود"، مضيفة: "فوجئت بترحاب من العاملين بالمكان؛ الزملاء، والمدير وتشعر بالفخر بما تقوم به كلما رأت نظرة فرح في عيون أحد رواد المحطة وهم يشجعونها علي الاستمرار في العمل". وتقول أبرار محمد، طالبة بكلية الآداب قسم إعلام، "علمت بالأمر عن طريق صديقة"، وتتذكر أن والدها اعترض في البداية بحجة أن هذه المهنة للرجال فقط، لكن بعد رؤيته للمكان وتعرفه علي زميلاتي اقتنع وشجعني. أما آية محمد التي تبلغ من العمر 19 عاماً وتدرس بكلية الآداب جامعة القاهرة فهي تعمل بمحطة الوقود حتي تتخرج لتعمل بالعلاقات العامة بالمحطة أيضاً، وتضيف "العمل هنا مريح لأقصي درجة، وتري أنه لا يمكن تعميم التجربة علي كل المحطات أو كل المناطق لأن المكان الذي تعمل به يتمتع بنظام قد لا توفره محطات أخري فضلاً عن توفير حجرات للفتيات لتغيير ملابسهن وإتاحة دورات تدريبية ليصبحن علي أفضل مستوي". وخلف مكتب صغير داخل محل للكاوتش في شارع شامبليون، تجلس مروة لطفي بجسدها النحيل، وملابسها المحتشمة، تستقبل بابتسامتها زبائنها بهدوء ورثته عن والدها تستمع إلي طلباتهم، وتقف علي رؤوس العمال تراقبهم وهم يؤدون مهامهم. 5 سنوات هو عمر مروة في إدارة مشروع والدها، لم تتوقف فيها يوماً عن قراءة الاستغراب علي وجوه المارة وهم يشاهدون شابة صغيرة تدير محلاً للكاوتش، تقول: "البعض يزعم أنه جاء للشراء وهدفه الفرجة عليَّ، وتعترف: أغيّر من صوتي لتبدو نبرته "ناشفة" بدون دلع، وملابسي لأصبح أكبر من عمري.. خارج المحل أعيش سني الحقيقي"، تحكي عن والدتها التي تتناوب معها العمل وأمنيتها في تكبير تجارتها.. أسألها ماذا يشبه الكاوتش فتجيب: مثل عمر الإنسان.. بس "العجلة" حظها حلو وليها استبن. وتضيف: "بشهادة الكل لسان الحاج لطفي (تقصد والدها) بينقط شهد، ابن بلد، وأصيل، ومبيحبش اللي بيكشر.. تبرق الدموع في عينيها وتواصل: مات أبي وبقيت ضحكته في المكان"، وتواصل: "لم ينجب الولد.. فكنت له العون والسند.. في عامي الثاني بكلية الآثار فوجئت به يطلب مني النزول إلي المحل.. لن أنسي نظرته الآمرة: ركزي في كل حاجة داخلة وخارجة". وتستطرد: "شربت المهنة في شهور قليلة، تركيب "العجلة" وفكها، ومعرفة أنواع الكاوتش، ومقاساته، وضغط الهواء ودرجة حرارته، والتفريق بين الماركات.. تضحك: أبي من أطلق عليَّ "الميشلان" لقب أم كلثوم فاشتهر به"، ولم تنس رفض العمال لها في البداية، وتقول "والدي كان حازماً وقال لهم: هذه أنا"، وتتفاخر: "نجحت بعد وفاته في المحافظة علي الزبائن وكسب ثقة العمال.