في طفولتي المبكرة كنت حريصا علي الخروج مع عمي لصلاة الفجر في مسجد القرية.. لم تكن أضواء الكهرباء قد دخلت القري، فكان الظلام يلف القرية وكان خيالي الطفولي يتصور أن الظلام مليء بمردة الجن والشياطين، وعندما أرتجف خوفا يقول لي عمي: لا تخف مادام الله معك.. فيطمئن قلبي لأن الله معي.. ومع مرور الأيام، وتجارب العمر.. والقراءات المتعددة في كتب الفلسفة والفكر الإسلامي والأدب، بدأت علامات استفهام تدور في ذهني حول الوجود وما وراء هذا الوجود، وماذا يكون مصيرنا بعد الموت؟ ووجدت في كتب الفلسفة أسئلة بلا إجابات.. وهناك الفلاسفة المؤمنون.. وهناك الفلاسفة الملحدون.. وفي كتب الفكر والأدب نري أن العقل الإنساني تنتابه الظنون أمام ألغاز الكون والحياة. فنري شاعرا كبيرا كإسماعيل صبري يقول في بعض أشعاره: رب اكفني شطط العقول وفتنة الأفكار ونري إيليا أبو ماضي في ديوان (الطلاسم) ينهي أسئلته الحائرة بجملة: لست أدري! ونري الشاعر كامل الشناوي يقول في إحدي قصائده: أنا من أنا.. أنا من أكون.. وسيلة أم غاية.. أنا لست أعرف من أنا وهمٌ يساور ملحدا فيروعه.. ويخافه من كان مثلي مؤمنا.. ففي كتابات هؤلاء الشعراء والفلاسفة والمفكرين محاولة البحث عن الحقيقة.. ومن أجمل وأروع الكتب التي قرأتها كتاب أستاذنا العقاد (الله).. إنه يستعرض في هذا الكتاب الرائع مختلف الرؤي والفلسفات عبر تاريخ الفكر الإنساني، ويدلل علي أن حقيقة وجود الله سبحانه وتعالي حقيقة لا شك فيها، ويورد مثلا فلسفة الفيلسوف الفرنسي ديكارت، واتخاذه الشك وصولا لليقين.. يقول العقاد: فأما ديكارت فهو يري أن إثبات وجود العالم يتوقف علي ثبوت وجود الله.. فهو لا يتخذ العالم دليلا علي وجود صانعه، بل يتخذ من وجود الصانع الكامل الأبدي دليلا علي أن العالم حقيقة وليس بالوهم الباطل.. ويري ديكارت أن وجود النفس ووجود الله حقيقتان ثابتتان بغير برهان، فهو يقول : (أنا أفكر .. أنا موجود) فيعلم أن النفس موجودة لا شك فيها ولا يسوق هذا العلم مساق القضية المنطقية التي لها مقدمة ونتيجة، بل يسوقه مساق المعرفة اللونية التي يتلقاها مباشرة من الوجود الثابت، وإن كانت الكلمة التي قرر بها وجود النفس صالحة لأن تتخذ قضية ذات دليل. من أقوالهم: »لو قامت القيامة وفي يد أحدكم فسيلة، فليزرعها وله بذلك أجر» حديث شريف