قرأت في أحد أعمدة »الأهرام» أن الناشر عبدالحميد جودة السحار، وراء نشر ثلاثية نجيب محفوظ في أجزائها الثلاثة بعد أن كانت رواية واحدة. والكاتب يقصد سعيد جودة السحار هو الذي كان وراء هذا الاقتراح الذي تحقق، وليس شقيقه عبدالحميد جودة السحار. وعبدالحميد جودة السحار كان أديبا من كبار أدباء مصر، وله العديد من الروايات والقصص والدراسات الإسلامية، ومن أهم مؤلفاته كتابة السيرة النبوية في عشرين جزءا تحت عنوان »محمد رسول الله والذين معه» وكان أيضا رئيسا لمؤسسة السينما. والحديث عن هذا الأديب الكبير يجعلنا نشير إلي إنتاجه من خلال نظرة طائر كما يقولون.. فقد ألّف كتابا رغم قلة عدد صفحاته عقب هزيمة 1967، تحدث فيه عن دور اليهود الذي لعبوه وأفسدوا فيه الحياة في مختلف القرون، بما في ذلك إفسادهم للحياة العقلية والفكرية في أوروبا قبل وبعد قيام دولتهم.. والكتاب عنوانه »وعد الله وإسرائيل». ولكي نعرف قيمة هذا الأديب الكبير في حياتنا الثقافية، وجمال عرضه للموضوعات التي يتناولها في كتبه، ورقة أسلوبه، نقف قليلا عند حديثه عن وفاة مؤذن الرسول بلال بن رباح الذي رفض أن يعيش في المدينة بعد وفاة الرسول وعاش في الشام: قال لزوجته وهو يلتقط أنفاسه بصعوبة، وفتح عينيه فسألته: كيف تجدك؟ فتمتم: دنا الفراق.. ونظر أمامه فخيّل له الوهم أنه يلمح أشباحا، وجسّد خياله الأشباح فصارت أناسا يحبهم ويحبونه، وقفوا عند فراشه ينتظرونه.. فهذا محمد صلي الله عليه وسلم، وهذا أبو بكر وهؤلاء أصحابهما الراحلون يدعونه ليلحق بهم، فارتسمت علي شفتيه ابتسامة خفيفة، ومالبثت أن اختفت، ثم زفر زفرة شديدة، وأسبل عينيه وألقي برأسه علي صدره، فصكت زوجته وجهها آهة وهتفت: وا حزناه.. فغالب بلال أحزانه وفتح عينيه وغمغم وهو يجود بأنفاسه الأخيرة.. بل وا فرحتاه.. غدا نلقي الأحبة.. محمداً وصحبه. • من أقوالهم: ولم أر في عيوب الناس شيئا كنقص القادرين علي التمام المتنبي