كانت عقارب الساعة تشير إلي الخامسة صباحاً عندما اجتاحت القوات الألمانية باريس قبل 78 عاماً، يوم 14 يونيو عام 1940.. وآثر الفرنسيون عقد اتفاق مع الألمان حقنا للدماء وحماية لباريس ومعالمها، وقتها كان خوف الفرنسيين علي برج إيفل وقوس النصر والمتاحف والأوبرا لا يقل عن خوفهم علي أرواحهم.. وبعد المعاهدة بأيام دخل هتلر إلي باريس مصطحبا معه مصوريْن سينمائياً وفوتوغرافياً ليلتقطا له صوراً تذكارية في معالم باريس في الشانزليزيه وإيفل وقوس النصر. وحاول هتلر الغازي أن يحول باريس إلي مدينة ألمانية دون أن يمس معالمها، فغيّر أسماء الشوارع والمطاعم والفنادق إلي أسماء ألمانية، بل وصل به الأمر إلي أن غير توقيت باريس إلي التوقيت الألماني الذي يسبق التوقيت الفرنسي ب60دقيقة، وكانت ساعة كنيسة نوتردام الشهيرة تدق أجراسها طبقاً للتوقيت الألماني، ورفع علم النازية فوق برج إيفل وفوق قوس النصر في ساحة الشانزليزيه.. وبعد 4 سنوات سود كما كان يطلق عليها الفرنسيون انتصر الحلفاء وهزموا دول المحور، وكان الجنرال الألماني شولتيز قائد منطقة باريسالمحتلة يحاول أن يقاوم هجوم قوات الحلفاء بعد أن أصدر أوامره لجنوده بمنع أي تخريب في باريس.. واستسلم الألمان دون قيد أو شرط وانتهت الحرب العالمية الثانية، دون أي مساس بمعالم باريس مدينة النور. تذكرت كل ذلك وكل ما قرأته عن احتلال ألمانيالباريس، ومعركة خروج الألمان من فرنسا وأنا أري أعمال التخريب التي يقوم بها مخربون في فرنسا خلال مظاهراتهم، وكيف قاموا بتشويه قوس النصر، وأضرموا النار في متحف، واعتدوا علي قبر الجندي المجهول، وأشعلوا النيران في حديقة الملاهي الشهيرة بباريس، واقتحموا بنوكاً ومحلات تجارية شهيرة. هذا ليس سلوك متظاهرين، ولا أصحاب مطالب هذا سلوك همجي من كيانات تخريبية.. ولكن هذا هو ما صدرته أوروبا للشرق الأوسط تحت شعار الديمقراطية والحرية، وما أسمته بالربيع العربي، الذي خرّب دولاً، وقسّم بلاداً، وشرد شعوباً، وجعل المنطقة العربية فوق صفيح ساخن.. كرة اللهب التي رموها في "حجر" المنطقة، يتلقفونها الآن.. ويقولون إن هؤلاء المخربين طرف مندس، وأن هناك حركة منظمة وراء هذه الخطة الممنهجة للتخريب، واعتقلوا مئات ممن وصفوهم بالمخربين والمندسين، ويفكرون الآن في إعلان حالة الطوارئ، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من بلدهم قبل فوات الأوان. • • • باريس تحترق، ومازالت تنتظر المزيد، خلال الأيام المقبلة، لأن هناك من ينفخ في النار من الأحزاب المتطرفة.. والذي تجنبته فرنسا وقت الاحتلال لم تستطع تفاديه في السلم وهي تحتل المرتبة الاقتصادية السادسة علي مستوي العالم، والمرتبة الثالثة أوروبياً. ما يحدث في باريس هو صورة من صور الإرهاب، المغلف بورق سوليفان مكتوب عليه الديمقراطية الأوروبية التي كانت في الأصل منتجاً أوروبياً ولكن »للتصدير فقط»، للأسف فإن هذا المنتج يستهلكه الفرنسيون الآن، وربما سنجد شعوبا أوروبية أخري تستهلكه.. قد يكون هؤلاء المستخدمون مهجرين أو غير مهجرين، لكن في النهاية، فإن أوروبا ستتجرع من نفس الكأس الذي صدرته لنا. اللهم لا شماتة، ولكني فقط أرصد، وأري صوراً ومشاهد رأيتها تحدث عندنا في مصر في يناير 2011، ووقت أن حرق المخربون منشآتنا والمجمع العلمي.. ووقت أن كان المخربون يعتدون علي رجال الشرطة والجيش.. وكنا نصفهم بالمخربين.. وكانت أمريكا وأوروبا كلها يصفونهم بالثوار!! الآن.. أتمني أن تكون فرنسا قد استوعبت الدرس، وأن تتوقف أوروبا عن تصدير المنتج الديمقراطي الفاسد لبلادنا.. أما من جانبنا فقد أوقفنا ومنعنا استيراد هذه الديمقراطية. لكم ديمقراطيتكم.. ولنا ديمقراطيتنا. • • حفظ الله مصر وشعبها وجيشها ورئيسها. آخر كلمة سيظل المصريون في رباط إلي يوم الدين