»لا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا ذوو الفضل» مقولة مأثورة استقرت في التراث العربي واستقرت أيضا في وجدان كل من سمعوا أو رأوا من يقدر لأهل الفضل أفضالهم خاصة ولو بعد حين يكون فيه صاحب الفضل قد غادر دنيانا فترفرف روحه في عليين علي جزاء دنيوي قدمه لآخرته حيث ينعم هناك بالجزاء الأبقي والأوفي. تذكرت هذه المقولة وأنا أطالع صورة الرئيس عبدالفتاح السيسي مع كريمة البكباشي الراحل يوسف صديق وهي تتسلم قلادة النيل أعلي وسام مصري الذي قرر الرئيس السيسي منحه لاسم أبيها. هذا التكريم هو اعتراف بفضل الرجل علي ثورة يوليو فكما يقول المنصفون من الضباط الأحرار أو المؤرخين أنه لولا ما أقدم عليه يوسف صديق ما كان لثورة يوليو أن تري النور، خرج الرجل مبكرا ساعة عن الموعد المحدد دون أن يعلم بالتأجيل، كان عبدالناصر وعبدالحكيم عامر يرتديان ملابسهما المدنية ويتجولان في حدائق القبة في الوقت الذي قاد فيه يوسف صديق مدرعته وحاصر وزارة الحربية وقبض علي كل من كان في اجتماع بقيادة وزير الحربية كان هدفه حصار ضباط التنظيم والقبض عليهم وتقديمهم لمحاكمة عسكرية. في لحظة فارقة من تاريخ مصر كان السبب الرئيسي فيها ما قام به يوسف صديق الذي أطلقوا عليه البكباشي الأحمر تحت دعوي أنه شيوعي، الغريب أن هذا الشيوعي هو الذي طالب بإقامة حكم ديمقراطي واصطدمت آراؤه ودعوته بآراء ودعاوي الأغلبية من أعضاء التنظيم ودفع الرجل الثمن غاليا سواء باعتقاله وهو صاحب مرض أو بتهميشه بعد ذلك ليتواري في الظل يمارس هوايته في القراءة وكتابة الشعر، ولأنه كان متصالحا مع نفسه لا يضمر شراً وحقداً ولأنه كان علي يقين بأن ما فعله كان من أجل الوطن جاء رثاؤه في وفاة جمال عبدالناصر ليقر من جديد أن الرجال معادن وكأن معدن هذا الرجل من الذهب. مات يوسف صديق عام 1975 وبعد ما يزيد علي 43 عاما من وفاته جاء ذو الفضل الرئيس عبدالفتاح السيسي ليفاجئنا في الذكري السادسة والستين لثورة يوليو بمنح اسم الرجل قلادة النيل. وبالمناسبة كانت مكتبة الأسرة قد أصدرت منذ أكثر من عشر سنوات كتابا عن يوسف صديق يحكي ملحمة إنسانية وبطولة نادرة وهي فرصة في هذه المناسبة لإعادة طبع الكتاب لتعرف الأجيال الجديدة رجلا من رجالات مصر الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه تجاه هذا الوطن والأمة المصرية.