بكل تأكيد لم تكن زيارة السادات للقدس، مجرد فكرة عابرة، أو فكرة غير مدروسة، فالسادات عبر مواقف كثيرة، لم يكن من الرجال الذين تحركهم الأفكار، بل كان من الذين يصنعون الأفكار، ليحرك من خلالها الأحداث، بعد حرب أكتوبر قال وزير الخارجية الأمريكي الأشهر هنري كيسنجر، إن السادات أخبرنا أنه سيحارب ولم نصدقه، أعطانا المقدمات، وأخطأنا التقدير، فكنا علي يقين أنه لا يملك القدرة العسكرية لشن حرب، ولكنه فعل، لذلك وقف الكثيرون طويلا، أمام الأسباب التي دعته لزيارة القدس، وكان الرافضين من كل الاتجاهات، أكثر من المؤيدين، بل تعرض الرجل لاتهامات وصلت إلي حد اتهامه بالخيانة، وبعد أربعين عاما، يكشف الصحفي الكبير، محمد عبد الجواد رئيس تحرير وكالة أنباء الشرق الأوسط الأسبق، النقاب عن الأسباب التي دعت بطل الحرب والسلام للذهاب إلي القدس، ومنها أن الرئيس السادات، قال له ومعه مجموعة من رؤساء تحرير الصحف، » أنه بعد نصر أكتوبر المجيد، وعلي مدي أربع سنوات، وأنا أحاول إقناع القادة العرب بشراء سلاح لنا عن طريقهم لكنهم رفضوا، وقالوا في الكويت الشحات حضر، ومش عارف أعمل إيه، البلد مفيهاش فلوس، والجيش في حاجة إلي سلاح، والروس رفضوا مدنا بالسلاح، وعلي الجانب الآخر، إسرائيل بدأت تستعيد قواها وتسلح جيشها بمساندة أمريكا، وأخشي ما أخشاه، أن تهاجمنا إسرائيل مرة أخري ويضيع النصر»، ويومها بدأ السادات التفكير جديا في السفر إلي القدس، أغرب ما كشف عنه الصحفي الكبير، أن الحكام العرب كانوا علي علم بما يخطط له السادات وكانوا يباركونه، بل وعندما التقي السادات بالرئيس السوري حافظ الأسد، بصفته شريكا في الحرب، قال له السادات دعنا نلعب سياسة أنا سأعلن أنني ذاهب إلي القدس وأنت تعلن أنك معارض، ولكن لم يكتف الرئيس السوري بالمعارضة فقط، بل أعلن أن السادات خائن، وأنه خرج عن رأي الأمة العربية، وبعد الزيارة قال السادات، لن تعود إسرائيل كما كانت قبل هذه الزيارة، سوف يكون في إسرائيل أناس تكره الحرب وتتمني السلام، ولو أن العرب استمعوا لنصيحة السادات، لكان الأمر قد اختلف، وكانت نبوءة السادات تحققت، بحيث يعود اليهود المصريون إلي مصر، وبقية اليهود يعودون إلي حيث كانوا، ومن يتبقي منهم في إسرائيل، سيصبحون مجرد جالية يهودية، ولو أن القدر أمهل السادات كانت خريطة الوطن العربي قد تغيرت، رحم الله السادات، كانت أفكاره تحرك الأحداث، للمستقبل وللسلام.