لا اخشي علي وطني من غاضب او مستاء او طامح او متهور في عمر الصبا والشباب ، لكني اخشي عليه من غياب الرمز ، واختفاء القدوة ، وتراجع الأمل ، وافتقاد صناعة الحلم ، ولذة الانتصار في معركة الحياة حتي ولو كانت علي شاشة سينما أو قناة تليفزيونية ، غياب ذلك كله أدي لحالة فراغ كبيرة لم ننجح كإعلام في التعامل مع هذه الاحتياجات ، واقتصر دور الفن في "التخديم " علي مصالح أصحابه فنانين ومنتجين ومخرجين ، وشريحة ضيقة من الشباب ( محبي السنج ) أنصار عبده موتة هناك بعض التجارب التي تظهر علي استحياء ولكنها ليست كافية علي الإطلاق ولا يمكن أن ترضي طموحنا ولا تمثل بأي حال نسبة معتبرة من 94 مليون نسمة ، ويظل السؤال مطروحا أين دور الفن الذي نفتخر بإنتاجه وتصديره حاملا قيمنا وهويتنا المصرية لمحيطنا العربي؟! وإذا تحدثنا عن دعم الدولة للفنون ( سينما وغناء ومسرح ) فأين هو ذلك الفن الذي يستحق أن نطالب بدعمه ؟! وهل يمكن أن يتسامح معنا الرأي العام إذا ما تحدثنا عن الفن وقيمته ودوره كقوة ناعمة يبسط نفوذ الدولة المصرية في المنطقة وأهل الفن يسيئون لأنفسهم وأحاديث نجومهم لا تليق ، وسلوكهم لا يفصله خيط رفيع عن ( أولاد الشوارع ) بالتأكيد ليس كل تصرفات النجوم بهذا التدني لا نعمم ولا نقبل الأحكام المطلقة ؟! متي نستعيد السينما كإحدي أدواتنا لصناعة الحلم والتبشير بما هو قادم أو علي الأقل تغيير الواقع الذي نرفضه جميعا ، ومتي تعود الاغنية نشيدا في حب الوطن ( لا اقصد المفهوم الضيق للأغنية الوطنية ) ولكني اتحدث عن غناء للطفل ( نموذج العظيم محمد فوزي ) والحب والوطن ، كيف تتحول النصوص السينمائية والأشعار الغنائية إلي رصاصات ضد الإرهاب وإنحدار الذوق ، كيف نملأ هذا الفراغ الرهيب لدي الشباب بحركة فنية تواكب التطور في العالم وهي تقف علي قدمين ثابتتين علي أرض الوطن ؟! ليس لدينا بديل عن القوات المسلحة لتقوم هي بإنتاج عمل سينمائي ضخم يليق بقيمة النصر وتضحيات الأبطال جنودا وقادة ، كيف نمجد هذه الأسطورة بقصص إنسانية من لحم ودم ، عشرات الحكايات من دفتر احوال المصريين علي جبهات القتال والجبهة الداخلية ، عشرات النماذج لأولاد البلد والصعايدة والفلاحين التي تروي أيام النصر والصبر ، لم يكن حب الوطن كلاما نتغني به وفيه ، لم يكن الشباب وهم يواجهون بصدورهم رصاصات العدو ينتظرون جزاء من أحد ولا شكورا ، تبرعوا بدمائهم من اجل كبرياء وطن جريح ، وصناعة تاريخ ، ومحو عار هزيمة كانت لست سنوات مانشيتات الصحف الغربية والأمريكية تحديدا ، وحديث الصغار والكبار في بر مصر الآن يحتاج الشباب الذي يشعر أن الوطن لم ينصفه ، ويعيش حالة تمرد لعدم التحقق ، أو لغياب مشروعه ، أو انكسار حلمه ، يجب ان يدرك قيمة الوطن وإعادة تعميره بعد تخريب ، وأن بناء البلد ليس قرارا حكوميا ، وأن مساهماته وعدم استسلامه لحزب الانهزامية هو قمة النجاح ، استعادة انتماء هؤلاء مهمة ثقيلة وعبء يقع علي عاتق الفن ، يجب ان يعرف هؤلاء ماذا جري في ايّام مصر الصعبة منذ 5 يونيو وحتي نصر أكتوبر ، كيف كانت ملامح مصر حزينة وشوارعها تكسوها الكآبة ، والعدو ينتابه صلف نصر مكذوب ، كيف رفض المصريون الاعتراف بالهزيمة ،واستعدوا للمعركة ، لم يشك من قلة سلع أو انهيارالخدمات ، الجميع تسابقوا لدعم القوات المسلحة لتسترد قدراتها وعافيتها وثقتها بنفسها ، مفردات يومية عصيبة ، شعارها الجلد والتحمل من اجل نصر يرونه قريبا ويراه العدو بعيدا ، تحدث المصريون لغة واحدة بحروف الامل لا اليأس ، أزاحوا جانبا لغة الاحباط والتشفي في الرموز السياسية ، لا مكان للجدل العقيم ، جيل أكتوبر يستحق منا التقدير ، وأن يتوقف أمامه الفن طويلا ليدرك هذا الجيل أن تحدي الهزيمة كانت قدر جيل أكتوبر ، وأن هذا الجيل امام تحد الآن من نوع اخر يتطلب ادراك المخاطر التي تهدد الوطن وتدفعه نحو الكفر به وبترابه الغالي نحن الجيل الذي تربي علي أفلام أكتوبر »الرصاصة لا تزال في جيبي» و»الوفاء العظيم» و»العمر لحظة» وبدور وأغنية »علي الممر» ، ونحفظ أحداثها عن ظهر قلب ، كانت هذه الأفلام وهذا النوع من السينما التي تأتينا ونحن جالسون نشاهدها وسط الاسرة تكفينا لنعرف حجم قيمة هذا النصر العظيم وكيف استردت قواتنا المسلحة شرف الأمة العربية ، ولكن وبعد كل هذه السنوات ، وهذا البخل الإنتاجي هل يعرف ابناؤنا شيئا عن أنبل انتصاراتنا ، وهل يمكن أن يتحمسوا أو يتفاعلوا مع نجلاء فتحي في بدور أو نجوي ابراهيم في الوفاء العظيم ؟!. وتبقي كلمة .. يا أهل الإبداع إن إيمانكم بالفن يزيد بحب الوطن وينقص إذا اختلط هذا الحب بشوائب نسيان أو تجاهل فضله.