الثغر الجميل.. الإسكندرية.. عروس المتوسط.. »منارة«.. و»فنارة« الفن.. والثقافة تتحدي الإرهاب وتقاومه بالفن الجميل الراقي.. وتفتح ذراعيها مرحبة بفناني مصر والعالم العربي والعالمي.. ضيوف مهرجان الإسكندرية، ففي تواجدهم دعوة سلام واستمرارية حياة.. ونزع للخوف من النفوس بعد الدعاية السيئة التي تحاك ضد مصر.. تطالب فيها دول أوروبية رعاياها بعدم الذهاب لمصر. فتحية لكل فنان وضيف جاء إلي مهد الحضارات.. هازما الخوف لكي تستمر الحياة رغم المصاعب التي نعيشها.. لكن مصر سوف تتخطاها بإذن الله ويعود إليها الأمن والأمان. عروس المتوسط جديرة بأن تحظي بمحافظ رائع.. محب للفنون والثقافة.. شديد الاهتمام بهما يدرك أهمية السينما ومهرجانها مثل اللواء »طارق مهدي«. الذي أخذ علي عاتقه تحمل مسئولية إقامة المهرجان في ظل هذه الظروف الصعبة التي كان يحاول البعض أن يبثوا الذعر.. ويلوحوا بممارسة عمليات إرهابية.. إن »اللواء طارق مهدي« محافظ الإسكندرية نموذج رائع لما يجب أن يكون عليه المحافظون.. دعمه غير المحدود للمهرجان هو الذي جعله يخرج للنور.. كما يجب التنويه أن اللواء »طارق مهدي« كان حريصا علي لقاء الفنانين العرب والأجانب في ضيوف المهرجان.. وأعضاء لجنة التحكيم الدولية. وهذه أيضا تحية »للأمير أباظة« رئيس المهرجان.. الذي تحمل الكثير لتري هذه الدورة النور.. لكي يصدر للعالم صورة جميلة لمصر مغايرة تماما لما يكتبه ويبثه الإعلام الغربي. »الأمير أباظة« فقد شقيقه الأكبر قبل ليلة افتتاح المهرجان.. لكنه داري جراحه ليستقبل ضيوفه.. هو وكتيبة العاملين معه من أعضاء مجلس إدارة الجمعية المصرية لكتاب ونقاد السينما.. والذي بذل البعض منهم جهدا كبيرا أما البعض الآخر فقد تجاهل تماما مسئولياته. كوكبة من نجوم مصر حرصت علي التواجد وحضور ليس حفل الافتتاح والختام فقط بل الندوات ومتابعة عروض الأفلام. نور الشريف ومحمد خان وعلي عبدالخالق وفايز غالي والقديرة سميحة أيوب والمخرجة الرائعة إنعام محمد علي وأستاذنا محفوظ عبد الرحمن ربنا يعطيه الصحة.. وزوجته الفنانة المتميزة سميرة عبد العزيز القائمة طويلة فالحضور لم يكن لجذب »الشو« الإعلامي بل للمتابعة وهذا شيء يفرح ويسعدني كثيرا. لجنة التحكيم الدولية رأسها الفنان محمود قابيل سفير اليونيسيف للنوايا الحسنة في شمال أفريقيا والشرق الأوسط، وبعضوية كل من السينمائي القدير مدير مهرجان مونز لأفلام الحب ببلجيكا اندريه سوتيريك.. والممثل الألباني تيمو فلوكو والمخرج التونسي رضا باهي وهو يعد واحدا من أبرز المخرجين العرب، والممثلة الإيطالية مارينا بينافينا.. والمخرجة الكرواتية أنطونيادوبرافكا كارتيود، والفنانة السورية كندة علوش وقد ضمت المسابقة خمسة عشر فيلما من بلدان البحر الأبيض المتوسط. واحد من أجمل الأفلام التي عرضت ومن وجهة نظري تستحق بطلته جائزة أحسن ممثلة،، الفيلم الفرنسي أومبلين للمخرج ستيفان كازيس وبطولة ميلاني تيري وناتالي بيكو.. الفيلم يعكس واقعا شديد الإيلام علي النفس ويخترق عالم السجينات خاصة الحوامل والأمهات.. اللائي يعطيهن القانون الاحتفاظ بحضانة الأطفال حتي ثمانية عشر شهرا.. وبعد ذلك ينظر في أمرهن سواء بالموافقة علي الولاية علي هؤلاء الأطفال من خلال استضافة بعض الأسر لهم.. أو أن تتولي الدولة رعايتهم.. أومبلين في العشرين من عمرها وتم الحكم عليها بالسجن ثلاث سنوات بعد اتهامها بالاعتداء بالعنف.. وفي اللحظة التي تفقد فيها كل أمل بعد صدور العقوبة. تكتشف أنها حامل ومن ثم توضع في سجن خاص حتي تلد وترعي طفلها حتي يبلغ ثمانية عشر شهرا لتقوم أسرة طيبة برعايته حتي تخرج من السجن. متابعة حياة أومبلين في السجن ومحاولة كبح جماح الغضب العنيف الذي ينتابها حتي يحق لها فيما بعد أن تحتفظ بابنها بعد خروجها من السجن، هو الذي جعلها أيضا تندمج في الأنشطة والورش داخل السجن.. لتخرج منه في محاولة لاستعادة حياتها من خلال ابنها الصغير. »أومبولين« هو العمل الروائي الأول لمخرجه ستيفان كازيس بعد أن تخرج في جامعة الإنتاج السمعي والبصري دارسا الإخراج.. ليمارس العديد من المهن السينمائية كمنتج ومساعد مصور ومونتير بالإضافة إلي الكتابة التي يعشقها.. وقد ساهم ستيفان في تأهيل عدد من المساجين عندما تطوع للعمل في جمعيات السجون ليشرف علي الورش الفنية والأنشطة الثقافية بالإضافة لإعطائه دروسا في السيناريو والإعلان. السجن ليس وراء الأسوار فقط.. لأن خارج هذه الأسوار يعيش سجناء كثيرون.. سجناء لظروف شخصية جعلت ممارستهم للحياة اليومية شبه مستحيلة.. البعض سجناء وأسري للروتين.. والآخر ربما في تفانيه لخدمة أقرب الناس إليه.. والتضحية بحياته الخاصة وبمرتبه من أجل من يحسبهم.. وهذا ما قدمته لنا المخرجة الشابة الواعدة (هالة لطفي) التي قدمت فيلمها الأول »الخروج للنهار« بطولة »دنيا ماهي«.. »سلمي النجار«.. »أحمد لطفي«.. »دعاء عريقات« والأحداث تدور حول ثلاث شخصيات فتاة تخطت الثلاثين تعيش مع والدها المشلول العاجز.. والأم المحبطة تقوم علي رعايتهما خاصة الأب الذي لايستطيع الحراك.. الحياة بالنسبة لها تدور في دائرة خدمة الأب ورعايته.. العلاقة مع الأم مليئة بالإحباط الشديد في اليوم الذي تخرج فيه للقاء من تحب.. تتعرض للكثير من المصاعب.. ويسقط الأب من علي السرير مصابا بأزمة شديدة تنقله الأم للمستشفي الذي تعمل به.. وربما في الإحساس بالبحث عن الحرية والانطلاق من هذا السجن للخروج من حالة الإحباط تتجول ساعات في القاهرة ليلا.. لينتهي الفيلم بسؤالها أين هي مقابرهم؟ وباقي أفراد عائلتهم.. كأن الأب سيموت قريبا.. وتعيشان هما أكثر غربة منه. هالة قدمت فيلما جميلا يعكس حالة خاصة يشوبه بعض التطويل في بعض اللقطات.. إلا أنه هناك لقطات ذكية شديدة الإنسانية تجعل من (هالة) مخرجة موهوبة.. نحن في انتظار أعمال أخري لها. هالة درست الاقتصاد والعلوم السياسية وتخرجت من جامعة القاهرة عام 5991 لتدرس بعد ذلك الإخراج بالمعهد العالي للسينما وتتخرج عام 9991 بامتياز مع مرتبة الشرف. وقد عملت هالة كمساعد مخرج في السينما التجارية لكنها أدركت أن هذه النوعية لاتتوافق معها فبدأت في عمل أفلام تسجيلية.. وفي عام 7002 بدأت مشروع فيلمها »الخروج للنهار« علي نفقتها الخاصة لكن توقف العمل إبان ثورة 25 يناير لتعود لاستكماله بعد ذلك. وقد مثل مصر في العديد من المهرجانات الدولية.. وحصل علي العديد من الجوائز في مهرجانات عالمية وعربية. في دورة هذا العام تم تكريم عدد من الفنانين المصريين والعرب والأجانب. من مصر تم تكريم الفنان القدير »محمود حميدة«.. والمخرج المتميز الذي قدم أجمل أفلام السينما المصرية »محمد خان«.. والكاتب وحيد حامد أشهر كتاب السيناريو في مصر وصاحب رؤية سياسية وثقافية مؤثرة في حياتنا اليومية. كما تم تكريم الفنانة إلهام شاهين.. تلك الفنانة العنيدة التي انحازت للفن والفنانين ورفضت أن تهان تحت أي مسمي. ومن المغرب تم تكريم الممثل والمخرج والمنتج المغربي »محمد مفتاح« الذي يعد واحدا من أهم ممثلي السينما والتليفزيون. وأخيرا تم تكريم المخرج الفرنسي »فيليب فوكون« الذي اعتذر عن عدم الحضور في آخر وقت بسبب ظروف مرضية. كانت هذه بعضا من ملامح دورة مهرجان الإسكندرية السينمائي ال 29 الدولي.. والتي كان في إقامتها الكثير من التحدي لذا ساندها الجميع.. لكن هذا لا يمنع من محاسبة من قصر أو أخطأ.. حتي لايضيع أجر .. وتعب من بذل الجهد وقدم الكثير.