محمد الزهيرى عاش لبنان خلال الأسبوع الماضى حدثين بارزين تحت عنوان واحد هو «البحث عن السلام» حيث كان الحدث الأول هو زيارة البابا ليو الرابع عشر بابا الفاتيكان إلى بيروت فى زيارة وُصفت بالتاريخية روحيًا ووطنيًا، أعقبها الحدث الثانى والأهم والذى تمثل فى إعلان إسرائيل إرسال مبعوث للقاء مسئولين لبنانيين، فى خطوة غير مألوفة تهدف إلى بحث التعاون الاقتصادى وترتبط أيضًا بملف وقف إطلاق النار بين الجانبين. ومنذ اللحظة الأولى، كان واضحًا أن زيارة البابا تحمل طابعًا روحيًا ورسالة سياسية غير مباشرة فى الوقت نفسه، حيث اختار البابا أن تكون لبنان محطته الثانية بعد زيارته لتركيا فى أول جولة خارجية له منذ توليه منصب بابا الفاتيكان، وذلك فى توقيت يعيش فيه اللبنانيون توترًا داخليًا حول ملف نزع سلاح حزب الله، وضغوطا خارجية وتهديدات إسرائيلية بعملية عسكرية واسعة إذا لم يبدأ نزع السلاح على كامل الأراضى اللبنانية. اقرأ أيضًا | الرئيس اللبناني يدعو مجلس الأمن بالضغط على إسرائيل لتطبيق وقف إطلاق النار واستمرت زيارة البابا للبنان حوالى 3 أيام زار فيها عدة أماكن وفى اليوم الأخير صلى بابا الفاتيكان بمرفأ بيروت صلاة صامتة أمام النصب التذكارى لضحايا انفجار 4 أغسطس 2020، كما التقى بعائلات الضحايا والجرحى وصافح طفلًا يحمل صورة والده، وأقام عدة طقوس دينية مسيحية. وأعقب رحيل البابا عن بيروت تطور مهم من الجانب الإسرائيلى، فقد أعلن مكتب رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو تكليف القائم بأعمال رئيس مجلس الأمن القومى، بإرسال مبعوث للقاء مسئولين حكوميين واقتصاديين فى لبنان، كما أعلنت الرئاسة اللبنانية تكليف السفير السابق والمحامى سيمون كرم برئاسة الوفد اللبنانى إلى اجتماعات اللجنة التقنية العسكرية المسند إليها متابعة وقف الأعمال العدائية بين لبنان وإسرائيل برئاسة أمريكية. وبالفعل انطلقت مفاوضات مدنية بين البلدين فى مقر قوات «اليونيفيل» ببلدة الناقورة جنوبلبنان، هى الأولى من نوعها منذ حوالى أربعة عقود، فى إطار اجتماعات لجنة الإشراف على تنفيذ اتفاق وقف الأعمال العدائية المعروفة ب«الميكانيزم»، بمشاركة السفير سيمون كرم، والمدير الأعلى للسياسة الخارجية فى مجلس الأمن القومى الإسرائيلى يورى رسنيك، إلى جانب المستشارة الأمريكية مورجان أورتاجوس، بصفتهم ممثلين مدنيين للمرة الأولى داخل هذا الإطار. ووصفت السفارة الأمريكية فى بيروت هذه الخطوة التى جاءت برعاية الولاياتالمتحدة بأنها تأتى «دعمًا للسلام الدائم والازدهار المشترك بين الجانبين»، فيما تعاملت الرئاسة اللبنانية معها بوصفها استجابة «للمساعى المشكورة من قبل الحكومة الأمريكية»، التى تتولى رئاسة اللجنة، وأكدت الرئاسة أن التكليف جاء بعد «التنسيق والتشاور» مع رئيس مجلس النواب نبيه برى، ورئيس الحكومة نواف سلام، الذى شدد على أن المباحثات «لم تصل بعد إلى مرحلة محادثات سلام»، وأن «لجنة وقف إطلاق النار هى المنتدى الطبيعى لتنفيذ إعلان وقف الأعمال العدائية». فى المقابل، ظهرت اعتراضات داخلية تمثلت فى خروج مجموعات مناصرة ل«حزب الله» فى مسيرات ليلية فى الضاحية الجنوبية رفضًا لأى خطوة تُفهم على أنها «تطبيع» مع إسرائيل. وفى غضون ذلك، أكدت تقارير إعلامية أمريكية منها موقع «أكسيوس»، أن واشنطن نجحت فى التوسط لعقد أول محادثات مباشرة بين إسرائيل ولبنان منذ عام 1993، وأن الاجتماع الذى عُقد فى الناقورة بحث مشاريع اقتصادية قرب الحدود، ونقل الموقع عن مسئول أمريكى قوله إن الولاياتالمتحدة تأمل فى أن تُسهم هذه المحادثات فى خفض مستوى التوتر بين الطرفين ومنع تجدد الحرب فى لبنان، مؤكدا أن الحكومة اللبنانية شددت خلال النقاشات على إدانة الضربات الإسرائيلية داخل الأراضى اللبنانية، وطالبت بانسحاب إسرائيل من خمسة مواقع ضمن حدودها، كما نقل الموقع عن الجانب الإسرائيلى تحذيره من أنه قد «يضطر» إلى استئناف الحرب إذا استمر حزب الله فى التسلح. وأكد المسئول الأمريكى أن الأطراف اتفقت على عقد اجتماع ثانٍ قبل نهاية العام، وتقديم مقترحات اقتصادية تُسهم فى بناء الثقة، مع التأكيد على أن الهدف الأساسى المشترك يبقى «نزع سلاح حزب الله»، وأن الجيوش الثلاثة، اللبنانية والإسرائيلية والأمريكية، ستواصل العمل عبر آلية وقف إطلاق النار. وفى بيان رسمي، قالت السفارة الأمريكية فى بيروت إن الاجتماع الأخير للجنة «الميكانيزم» عُقد لتقييم الجهود القائمة للتوصل إلى ترتيب دائم لوقف الأعمال العدائية، وأوضحت أن مشاركة كرم ورسنيك المدنيين تعكس «التزام اللجنة بتسهيل مناقشات سياسية وعسكرية بهدف تعزيز الأمن والاستقرار والسلام الدائم لكل المجتمعات المتضررة من النزاع»، معتبرة أن إشراك شخصيات مدنية «خطوة مهمة على طريق تأسيس حوار مستدام مدنى عسكري». كما اعتبر وزير الإعلام اللبنانى بول مرقص أن تكليف شخصية مدنية لتمثيل لبنان فى «الميكانيزم» هو إجراء «إدارى وتنظيمى بحت» لا يمس بسيادة الدولة ولا يعنى بأى شكل من الأشكال «تطبيعاً» مع إسرائيل، وأكد أن الموقف اللبنانى الرسمى من الاحتلال «ثابت ولم يتغير».. فى المقابل، اعتبرت الحكومة الإسرائيلية أن الاجتماع المباشر هو «محاولة أولية» لبناء أساس علاقة وتعاون اقتصادى بين البلدين. ووصفت هذه الخطوة فى الأوساط المتابعة بأنها «استثنائية وغير متوقعة»، نظرًا لكونها أول مشاركة مدنية فى محادثات من هذا النوع منذ أكثر من أربعين عاماً، أما لبنان، فيؤكد أنها فى إطار «الدفاع عن السيادة» والانفتاح على جهود المجتمع الدولى لتثبيت وقف إطلاق النار، مع الإبقاء على الثوابت السياسية التى يعلنها دائما.