لأول مرة، كسرنا الحواجز التقليدية، ودخلت شركات مصرية المنطقة المحرمة سابقا فى صناعة السلاح بجرأة قبل عدة عقود، كان المشهد الدفاعى المصرى يرسم صورة نمطية.. دولة تستورد العديد من الأسلحة وقطع الغيار ويتوقف مصير توريدها على رغبة وأمزجة الدول الموردة ..هذا المشهد اليوم تغير تماما ..من تجول بين أروقة الأجنحة المصرية فى معرض الصناعات العسكرية الدولى «إيديكس 2025» والذى انتهت فعالياته نهاية الأسبوع الماضى سيعلم أن القصة أصبحت مختلفة..بين المعروضات المصرية لم نرى فقط معدات وأسلحة مصرية معروضة، بل رأينا دولة تعيد كتابة موقعها فى مشهد الدفاع العالمى. فى هذه النسخة من «إيديكس» شاهدنا فصلاً جديداً يعلن ميلاد مصر كقوة صناعية دفاعية واعدة. لقد تحولت الأجنحة المصرية العسكرية إلى بيان عملى يحكى قصة تحول جذرى وكبير..لقد انتقلنا بحق من مربع شراء كل فاتورة الاستهلاك إلى مربع الصناعة والشراكة..أصبحت العديد من الأسلحة والمعدات العسكرية تُصمم وتُصنع بأيدٍ وعقول مصرية بنسبة 100%. لم يكن هذا التحول مجرد استعراض تجميلى، بل هو انعكاس حقيقى لتطور أعمق فى العقيدة العسكرية المصرية لقد تجاوز مفهوم الدفاع من مجرد حماية الحدود ، ليمتد إلى بناء قدرات شاملة تحمى الأمن القومى.. وهنا كان الإعلان الرسمى المصرى للشركاء و المنافسين الحاضرين.. مصر لم تعد «مستهلكا « فقط للتكنولوجيا والأسلحة بل أصبحت تمتلك إرادة صناعية واستراتيجية تسليح خاصة بها. وبينما خطفت المسيرات والمدرعات المصرية الأنظار فى «إيديكس» برزت حقائق أخرى. فخلف كل مركبة ومنصة قتالية محلية الصنع، يقف مهندس وصانع مصرى ذو كفاءة عالية و ضابط وجندى مدرب تدريباً عالياً، يتعامل مع الأسلحة والتقنيات الرقمية المتقدمة بثقة واقتدار. هذا المزيج الفريد بين «القدرة المحلية المتطورة» و»رأس المال البشرى الماهر» هو الذى يعيد كتابة معادلة الردع فى المنطقة، ويحول التصنيع العسكرى إلى قوة مضاعفة. وتجلى النضج الدفاعى المصرى بوضوح فى ملف الطائرات المقاتلة .فبينما بدأت القصة فى 2015 كصفقة لشراء طائرات «رافال» الفرنسية، فإن الفصل الحالى يحمل عنوان «الشراكة والتصنيع». ففى «إيديكس 2025»، لم تعرض مصر مقاتلاتها المستوردة ، بل عرضت مكوناتها المصنعة محلياً. وانضمت الهيئة العربية للتصنيع رسمياً إلى سلسلة توريد شركة «داسو» الفرنسية لتصنيع أجزاء حيوية، ليس فقط للمقاتلة «رافال»، بل وطائرات «فالكون» الفاخرة لرجال الأعمال أيضاً. وبنفس الأسلوب تم التعامل مع تصنيع المدفع الكورى الأكثر قوة فى العالم» K9» لتصبح القاهرة احد مراكز تصنيع هذه القطعة الثمينة من المدافع المتطورة وقبلها كان تصنيع معظم أجزاء الدبابة الأمريكية «M1A1» محليًا فى مصنع 200 الحربي، وتعتبر مصر الدولة الوحيدة خارج الولاياتالمتحدة التى تنتجها، ليرتفع نسبة التصنيع المحلى من الدبابة إلى حوالى 90% . ولعل التحول الأكثر دلالة كان تلك «الثقة الرئاسية» غير المسبوقة فى القطاع الصناعى المدني. لأول مرة، كسرنا الحواجز التقليدية، ودخلت شركات مصرية المنطقة المحرمة سابقا فى صناعة السلاح بجرأة ، وشاهدنا منتجاتها من قطع غيار الأسلحة بمواصفات عالمية فى جناح اتحاد الصناعات المصرية بالمعرض بل وفى سابقة هى الأولى تابعنا تنافس بين شركات مصرية فى إنتاج طرازات متقدمة من الطائرات المسيرة بمختلف أنواعها. هذا التكامل بين القدرات العسكرية والمدنية يؤكد أن الأمن القومى لم يعد مسؤولية المؤسسة العسكرية وحدها، بل أصبح مشروعاً وطنياً شاملاً. إن الاستمرار فى هذا النجاح للصناعات العسكرية يفتح الباب واسعاً أمام طموح اقتصادى وجيوسياسى جديد. فمصر لا تطمح فقط بتحقيق الاكتفاء الذاتي، بل باتت تضع قدمها بثبات فى سوق التصدير العالمى. إن ما شهدناه يمهد الطريق لتكون القاهرة «الترسانة العسكرية البديلة» والآمنة للدول الشقيقة والصديقة، خاصة فى عمقنا الأفريقى والعربي، لتقدم حلولاً دفاعية متطورة بأسعار تنافسية، ومتحررة من الشروط السياسية المعقدة التى غالباً ما تصاحب صفقات الكبار. بهذا، تحول «إيديكس» من مجرد منصة للعرض إلى محرك جديد للاقتصاد الوطنى، وأداة فاعلة لترسيخ النفوذ المصرى فى محيطها الإقليمى والدولى.