أحد الرجال الذين قُتلوا فى غارة جيش الاحتلال الإسرائيلى «كان فى السابق عضوًا فى فصيل معارضة كان مدعومًا من إسرائيل الشائع فيما يتم الترويج له فى أدبيات الدعاية السياسية الإسرائيلية والغربية، هو انتقاد ما يسمى بغياب الاستراتيجية وافتقار حكومة نتانياهو إلى خطة ما بعد الخروج أو اليوم التالى. فى البواكير تم الترويج لهذه الفكرة تطبيقًا على غزة، لكنها فيما يبدو صارت قابلة للتطبيق على سوريا أيضًا. فمنذ سقوط نظام الأسد قبل عام، فى 8 ديسمبر 2024، كثّفت إسرائيل نشاطها فى سوريا، واحتلت المزيد من الأراضى فى الجولان المحتل ودخلت المنطقة العازلة التى حدّدت خط وقف إطلاق النار منذ عام 1974، وفى ذات الوقت تقاربت مع النظام السورى الوليد ونجحت فى إطلاق حراك كان من المفترض أن يؤدى إلى تفاهمات مع نظام الشرع. هذا التناقض دفع المراقبين إلى الاقتناع بأن السياسة الإسرائيلية الحالية فى سوريا بلا دفة، وأنه ليس هناك هدف واضح لوجود إسرائيل هناك. وتساءلوا عن الرؤية أو الهدف بعيد المدى وعن نوع الحكم الذى تريده إسرائيل فى دمشق، ونوع العلاقة التى تريدها مع هذا الحكم. تصاعدت التوترات بين إسرائيل وسوريا فى الأسبوع الماضى فى أعقاب الغارة الإسرائيلية على بلدة بيت جن الدرزية وزعم جيش الاحتلال الإسرائيلى بأن قواته من اللواء الاحتياطى 55 بقيادة الفرقة 210 نفذت عملية لاعتقال مشتبه بهم من منظمة «الجماعة الإسلامية». وهى الفرع اللبنانى لجماعة الإخوان المسلمين. وتزعم إسرائيل أن الجماعة تعمل فى جنوبسوريا «لتجنيد الإرهابيين» وتلعب دورًا فيما تسميه «الجبهة الشمالية» - الحدود الشمالية لإسرائيل مع لبنان رغم أنها لم تقم دليلًا على مزاعمها تلك. لكن المقاومة المذهلة التى واجهها جنود الاحتلال فى بيت جن وأدت إلى انسحاب الجنود بإصابات بالغة ل 13 منهم أثارت التساؤل المهم: ما الذى حدث؟ لقد كانت هذه البلدة الدرزية الواقعة على مشارف ريف دمشق واحدة من أكثر البلدات الجنوبية تعاونًا مع الاحتلال وتلقت مساعدات ميدانية لمواجهة نظام الأسد الذى حاصر البلدة، وواصلت إسرائيل مساعدة سكانها «فى محاولة لمنع سقوطها «فى يد نظام الأسد». وفى النهاية، سقطت، مما أدى إلى تهجير أنصار المعارضة قسرًا من البلدة إلى شمال سوريا». بل إن أحد الرجال الذين قُتلوا فى غارة جيش الاحتلال الإسرائيلى «كان فى السابق عضوًا فى فصيل معارضة كان مدعومًا من إسرائيل لسنوات فى المدينة، تحت قيادة إياد كمال، المعروف باسم «مورو». «وحصل الفصيل ضمن أكثر من اثنى عشر فصيلاً فى جنوبسوريا على دعم إسرائيلى وأسلحة، وتلقى سكان البلدة مساعدات إنسانية وعلاجًا فى المستشفيات الإسرائيلية»، حتى سيطر نظام الأسد والميليشيات الشيعية على المنطقة فى عام «2018». والآن أصبحت هذه القرية التى تعرضت للهجوم من قبل نظام الأسد والتى كان سكانها يتلقون الدعم من إسرائيل هى نفسها التى أعدت الكمين الصادم لقوات الاحتلال، ويبدو أنها باتت تُشكّل تهديدًا مُحتملًا لإسرائيل، بدليل أن حجم الدمار الذى خلفته حملة القصف الإسرائيلية الثأرية للقرية بعد إصابة الجنود الإسرائيليين غير مسبوق، مما ينم عن عدم تحديد هدف سياسى واضح لوجود إسرائيل فى جنوبسوريا. الانقلاب المفاجئ لبلدة بين جن على الحليف السابق الإسرائيلى ينطوى على عدد من الاحتمالات، إما أن يكون تعبيرًا عن صحوة وطنية ورغبة فى نفض سوء السمعة والوصم بالخيانة والتعاون مع المحتل عن البلدة تحديدًا وعن عموم الطائفة الدرزية، أو أنها يقظة بعد غفلة حين أدرك الأهالى استغلال الاحتلال معاناتهم مع النظام السابق لابتلاع المزيد من أراضيهم، وتأثر حياة سكان المنطقة الحدودية سلبًا بإسرائيل الأمر الذى يرشح المشهد لمزيد من هذه المواجهات كرد فعل لتغير سياسة إسرائيل تجاههم بعد أن كانت تدعم السكان سابقًا، والآن تُغير وتُدمر سبل عيشهم، فنفروا منها. دعونا نأمل فى صواب الاحتمال الأول.