تعيش فرنسا على صفيح ساخن، بسبب جرائم قتل النساء على يد أزواجهن أو شركائهن، بعدما تبين أن سيدة فرنسية تقتل كل 7 ساعات تقريبا، حيث انتشرت في البلاد مظاهرات عارمة ضد العنف وإفلات الجناة من العقاب، مما دفع الحكومة الفرنسية لمحاولة استحداث قانون يواجه العنف ضد المرأة ويعالج أسبابه. وعلى الرغم من أن جرائم قتل النساء في فرنسا، تعد موضوعًا يناقش كل فترة، إلا أن الانتفاضة الشعبية الكبيرة التي شهدتها مدن وميادين فرنسا الشهيرة خلال الأيام الماضية، لم تأت من فراغ، بل حدثت عقب اكتشاف 5 جرائم قتل ارتكبت في يوم واحد، الخميس الماضي، كانت الضحايا فيها زوجات. وقعت جرائم القتل، وفقًا لصحيفة لو باريزيان، في مقاطعات دوب، وجيروند، وجارد، وأردينز، كانت الضحية الأولى فيها أم لطفلين مراهقين، تبلغ من العمر 45 عاما، عثر عليها مقتولة في منزل العائلة بمنطقة جيروند، حيث اتصل زوجها البالغ من العمر 60 عامًا بالشرطة، واعترف بقتل زوجته. أكد المدعي العام في ليبورن، لويس راشيل، أن النتائج الأولية للتحقيق، كشفت عن أن السيدة توفيت نتيجة تعرضها لطعنات قاتلة أثناء شجار مع زوجها الجاني داخل المنزل، حيث سلم المتهم نفسه للشرطة دون مقاومة، وفتح تحقيق ضده بتهمة القتل على يد الزوج أو الشريك وينتظر محاكمته. الجريمة الثانية، شهدتها منطقة جارد، حيث سلّم رجل نفسه إلى مركز الشرطة، مدعيًا أنه وجد زوجته فاقدة للوعي في منزلهما، حيث عثرت الشرطة على الضحية ميتة في سريرها، ولكن خلال ساعات قليلة كشفت التحقيقات عن ماضي الزوج المعروف بجرائم العنف الأسري، مما أدى إلى احتجازه واعتبار القضية جريمة قتل. في السياق ذاته، عثرت الشرطة الفرنسية على امرأة في الخمسينيات من عمرها ميتة في منزلها في منطقة آردين، ووفقا للنيابة العامة، قام شريكها بقيادة سيارتهما، وتسبب عمدًا في حادث سير، في محاولة منه لإنهاء حياتها، وهو ما نجح فيه بالفعل، وألقي القبض عليه ووضعه في الحجز. فتح المدعي العام على الفور تحقيقًا ضد المتهم، البالغ من العمر 55 عاما، بتهمة قتل زوجته، وكانت المفاجأة أنه اعترف للشرطة بأنه قتل شريكته السابقة في منزلهما في سيدان، وعندما وصلت الشرطة إلى المكان، عثرت على جثة شريكته في القبو، بالإضافة إلى آثار دماء عديدة في غرفة المعيشة. كما قُتلت امرأة تبلغ من العمر 32 عاما بسلاح ناري في منطقة بيزانسون، وتبين وفقا صحيفة «ليه ريبوبليكان»، أن المرأة الثلاثينية، غادرت منزلها للتو وكانت على وشك ركوب سيارتها للذهاب إلى العمل عندما أطلق عليها رجل النار فأرداها قتيلة ببندقية، ثم لاذ بالفرار. أكد سيدريك لوجلان، المدعي العام في بيزانسون، أن الشكوك انصبت فورا على شريك الضحية السابق، البالغ من العمر 34 عاما، حيث حاصرت الشرطة منزله في منطقة أورنان، ووجدته متحصنًا ومتسلحا فيه، ولكنه في نهاية الأمر استسلم لرجال الشرطة، واحتجز بتهمة قتل شريكته السابقة. خطر بضغطة زر ووفقًا للتحقيقات، كانت الضحية قد تقدمت بشكوتين ضد شريكها السابق خلال الأشهر الأخيرة، الأولى في فبراير الماضي بتهمة انتهاك الخصوصية، وفي أكتوبر الماضي بتهمة إتلاف سيارتها، ومنذ 24 أكتوبر، كانت تحمل في حقيبتها جهازا الذي يسمح للنساء ضحايا العنف بالإبلاغ عن أي خطر بضغطة زر. الجريمة الخامسة، اكتشفت فجر نفس اليوم، عندما عثرت الشرطة الفرنسية على سيارة مشتعلة في الغابة في منطقة إيزير بداخلها جثة امرأة، تبين أنها تدعى زايا بينيه، كانت تبلغ من العمر 27 عاما، ولم تظهر أي آثار اصطدام، واستُبعد احتمال انجراف السيارة عن الطريق. سرعان ما أعادت النيابة العامة تصنيف الواقعة كجريمة قتل، وبناءً على النتائج الأولية، تأكدت الشرطة من استخدام مادة قابلة للاشتعال لإشعال النار في السيارة، وكشفت التحريات عن أنها كانت تعمل مُقدمة رعاية وتعيش مع شريكها، وبحلول 24 ساعة من اكتشاف الجريمة، قادت الأدلة إلى توجيه الشكوك نحو شريك المجني عليها. ألقى المحققون القبض على المشتبه به في منزله واقتادوه إلى الحجز، وفي البداية نفى المتهم ارتكاب أي جريمة ضد شريكته السابقة، ولكن في النهاية بدأ في الاعتراف بتفاصيل ارتكابه للجريمة البشعة، مشيرًا إلى أنه توجه إلى منزل زايا في منتصف الليل، وهناك اندلعت مشادة كلامية عنيفة بينهما. في تلك الأثناء، سقطت السيدة الفرنسية جثة هامدة على الأرض، وعندما رأى المتهم الجثة، أصيب بالذعر وقرر حرقها في السيارة الخاصة بها ويسعى المحققون إلى تحديد ما إذا كانت هناك نية لإخفاء الجريمة على أنها انتحار حرقًا، أحيلت القضية إلى محكمة الجنايات لمباشرة التحقيق فيها. ناقوس خطر صدمة الجرائم الخمسة، دفعت وزيرة المساواة بين المرأة والرجل ومكافحة التمييز الفرنسية، أورور بيرجي، لدق ناقوس الخطر، مشيرة إلى أن جرائم قتل النساء ليست حوادث معزولة، كما أنها ليست مسائل عائلية، بل قضايا مجتمعية وسياسية، مشددة على أن النساء الخمسة القتلى لقين حتفهن الليلة لأنهن أردن الحرية وقررن الإنفصال. وشددت وزيرة المساواة على أن هناك رجالًا ما زالوا يعتقدون أن النساء ملكهم، وأن هؤلاء النساء، يجب أن تكون وجوههن وحياتهن، ومصائرهن المحطمة وأطفالهن، القصة الرئيسية في كل نشرة إخبارية، متعهدةً بأن الحكومة ستبذل جهدًا أكبر في مكافحة العنف ضد المرأة. وعلى إثر ذلك، خرجت تظاهرات ضخمة في باريس وعشرات المدن الفرنسية الأخرى، بدعوةٍ من جمعياتٍ نسويةٍ تحثُّ الحكومةَ على «إحداث ثورةٍ» في سياساتها لمكافحة العنف ضد المرأة وتطالب باعتماد قانون إطاري شامل لمكافحة العنف، وميزانية قدرها 3 مليارات يورو لتنفيذه. «لا يزال العنف وإفلات الجناة من العقاب مستمرًا بعد ثماني سنوات من انتخاب إيمانويل ماكرون».. هذا ما نددت به مجموعة «الإضراب النسوي»، التي تضم نحو ستين جمعية ونقابة واتحادا ملتزمًا بحقوق المرأة، مشيرين إلى أنه في أغلب الأحيان، لا تُصدّق الضحايا، وتُرفض الشكاوى. أما فيما يتعلق بالعنف الجنسي والتمييز، أكدوا أنه يحدث في كل مكان وفي كل وقت، وفي أماكن العمل والدراسة والأماكن العامة ووسائل النقل ومرافق الرعاية الصحية، وفي ورش سلاسل التوريد المتعددة الجنسيات ومراكز الشرطة، لافتين إلى أن فرنسا الآن تحتاج إلى ثورة حقيقية. ووفقًا لأحدث الأرقام الرسمية التي نشرتها البعثة الوزارية لحماية المرأة ، ارتفع عدد جرائم قتل النساء المنزلية بنسبة 11% بين عامي 2023 و2024، حيث قُتلت 107 امرأة على يد شريكهن أو شريكهن السابق، بينما أحصت جمعية «نوس توتيس» 149 جريمة قتل نساء منذ بداية العام حتى يوم الجمعة 21 نوفمبر. وتتعرض امرأة للاغتصاب أو محاولة اغتصاب أو اعتداء جنسي كل دقيقتين، وللتحرش الجنسي أو التعرّض الفاحش أو إرسال محتوى جنسي صريح دون إذن كل 23 ثانية، و تقع أكثر من ثلاث نساء يوميًا ضحايا لجرائم قتل أو محاولة قتل داخل أسرهن، وكل 7 ساعات تُقتل امرأة، أو يُحاول قتلها، أو تُدفع إلى الانتحار أو محاولة الانتحار من قبل شريكها الحالي أو السابق. خطة وبالتفصيل، كانت 107 امرأة ضحايا لجرائم قتل زوجية في عام 2024، و270 امرأة لمحاولات قتل زوجية، و906 امرأة ضحايا للتحرش من قبل الزوج أو الزوج السابق مما أدى إلى الانتحار أو محاولة الانتحار، وفي المجمل، كانت 1283 امرأة ضحايا لجرائم قتل مباشرة أو غير مباشرة، أو محاولات قتل بين الأزواج، مقارنة ب 1196 في عام 2023. وفي محاولة للسيطرة على الظاهرة المتنامية، قدم قاضيان كبيران لوزير العدل الفرنسي جيرالد دارمانين، اقتراحًا يتضمن خارطة طريق جديدة، تشمل توصية بعشرة تدابير فيما يتعلق بالعنف الأسري، وطالبوا رجال الشرطة والدرك والقضاة إلى التنبؤ بعدة مؤشرات يمكن أن تكون سببًا للقتل في المستقبل. يأتي الخنق على رأس هذه القائمة، وأكد القضاة أنه يجب تحديده على احتمالية القتل عالية ومؤشر على ارتكاب جريمة ضد النساء، معتبرينه كمؤشر قوي على وقوع مأساة وشيكة، كما ينطبق الأمر نفسه على التهديدات بالقتل ومراقبة محادثات الزوج أو تحركاته، معتبرين أن النهج القائم على النوع الاجتماعي هو السلاح الجديد والفعال لمعالجة جرائم قتل النساء من جذورها، أي من جذور السيطرة القسرية. اقرأ أيضا: في اليوم العالمي.. نشر الوعي أهم أدوات مكافحة العنف ضد المرأة