أمن سوهاج يكثف استعداداته للعملية الانتخابية غداً.. صور    «القومى للمرأة» ينظم الاجتماع التنسيقي لشركاء الدعم النفسي لبحث التعاون    أجواء حماسية والمنافسة تشتعل يين المرشحين في انتخابات النواب بقنا    مصر ونيجيريا تبحثان فرص تعزيز التعاون المشترك فى قطاع التعدين    وزير الخارجية يبحث مع نظيره الهولندي العلاقات الثنائية والتطورات في قطاع غزة    بابا الفاتيكان يعرب عن أمله في أن تكون رحلته الخارجية المقبلة إلى إفريقيا    كرة يد - منتخب السيدات يختتم المجموعات بهزيمة ثالثة والمنافسة على كأس الرئيس    هانوفر ينافس شتوتجارت على ضم بلال عطية لاعب الأهلي    الأرصاد تحذر من شبورة مائية حتى التاسعة صباحا وأمطار على السواحل الشمالية    مصر تسترد قطعتين أثريتين نادرتين من بلجيكا في إطار جهودها لحماية التراث    أحمد فهمي يحسم الجدل حول ارتباطه بأسماء جلال    بعد فرض ارتدائها في بعض المدارس.. الصحة: الكمامات تقتصر على الطلاب المصابين بالفيروسات التنفسية    غياب الكرتي ومروان.. قائمة بيراميدز لمواجهة كهرباء الإسماعيلية في الدوري    القطاع الخاص يعرض تجربته في تحقيق الاستدامة البيئية والحياد الكربوني    لميس الحديدي بعد واقعة "سيدز": لازم الكاميرات تُعمم على كل المدارس    متأثراً بإصابته.. وفاة شاب إثر طلق ناري بقنا    وفاة ضابط شرطة إثر أزمة قلبية خلال تأمين انتخابات مجلس النواب بسوهاج    واشنطن تكثّف حربها على تهريب المخدرات: "بدأنا للتو"    هاني جنينة: تعافي موارد النقد الأجنبي يدعم الجنيه.. وتوقعات بتراجع الدولار العام المقبل    متسابقة بكاستنج تبكى من الاندماج فى المشهد واللجنة تصفق لها    وكيل الأوقاف: المسابقة العالمية للقرآن الكريم حدث فريد يجمع الروحانية والتميز العلمي    رئيس حزب العدل ل"قناة الحياة": تدخل الرئيس السيسي أنقذ الموقف في المرحلة الثانية بالانتخابات    تشكيل أتلتيكو مدريد أمام برشلونة في الدوري الإسباني    مرموش على مقاعد بدلاء مانشستر سيتي أمام فولهام في البريميرليج    ليفربول في مأزق.. الهلال والقادسية على رأس المهتمين بخدمات محمد صلاح    السعودية تتفوق على عمان 2-1 في افتتاح مشوارها بكأس العرب 2025    كارمن يمثل مصر في المسابقة الرسمية لمهرجان المسرح العربي 2026    تعرف على التفاصيل الكاملة لألبوم رامي جمال الجديد "مطر ودموع"    استثمارات فى الطريق مصانع إنجليزية لإنتاج الأسمدة والفواكه المُبردة    ما حكم المراهنات الإلكترونية؟.. أمين الفتوى يجيب    وكيل شباب الدقهلية يتابع تدريبات المصارعة بالمشروع القومي للموهبة والبطل الأولمبي    تعليق ناري من ماجدة خير الله عن أزمة فيلم الست لمنى زكي    العالمى ستيف بركات على المسرح الكبير    وزير خارجية ألمانيا: كييف ستضطر إلى تقديم "تنازلات مؤلمة" من أجل السلام    251 شاحنة مساعدات تغادر رفح إلى غزة محملة بالغذاء والدواء والبترول والملابس الشتوية    بشكل مفاجئ .. ترامب يصدر عفوا رئاسيا عن رئيس هندوراس السابق    مكتبة مصر العامة تنظم معرض بيع الكتب الشهري بأسعار رمزية يومي 5 و6 ديسمبر    مصر والسعودية توقعان مذكرة تفاهم لتعزيز التعاون بمجالات الأمان النووي والإشعاعي    إحلال وتجديد طريق ترعة الرشيدية بالمحمودية بتكلفة 2.7 مليون جنيه    وزير الري يلتقي نظيره المغربي على هامش فعاليات الكونجرس العالمي التاسع عشر    الصحة: استراتيجية توطين اللقاحات تساهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي    أخطاء في تغذية الأطفال لاعبي الجمباز تؤثر على أدائهم    هزار قلب جريمة.. حقيقة الاعتداء على طالب باستخدام مفك فى الشرقية    موعد صلاه العشاء..... مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 2ديسمبر 2025 فى المنيا    رمضان عبدالمعز: الإيمان يرفع القدر ويجلب النصر ويثبت العبد في الدنيا والآخرة    كأس العرب - شكوك حول مشاركة براهيمي أمام السودان    أستاذة جامعية إسرائيلية تُضرب عن الطعام بعد اعتقالها لوصف نتنياهو بالخائن    صحة الوادى الجديد تنفذ عدد من القوافل الطبية المجانية.. اعرف الأماكن    بالصور.. الوطنية للانتخابات: المرحلة الثانية من انتخابات النواب أجريت وسط متابعة دقيقة لكشف أي مخالفة    الطقس غدا.. انخفاضات درجات الحرارة مستمرة وظاهرة خطيرة بالطرق    تركيا: خطوات لتفعيل وتوسيع اتفاقية التجارة التفضيلية لمجموعة الثماني    أمن المنافذ يضبط 47 قضية متنوعة خلال 24 ساعة    ضبط قضايا اتجار غير مشروع بالنقد الأجنبي خلال 24 ساعة قيمتها 6 ملايين جنيه    تراجع كمية المياه المستخدمة فى رى المحاصيل الزراعية ل37.1 مليار متر مكعب خلال 2024    وزير الصحة يبحث مع وزير المالية انتظام سلاسل توريد الأدوية والمستلزمات الطبية    وزير العمل يسلّم 25 عقد توظيف في مجال النجارة والحدادة والبناء بالإمارات    سامح حسين: لم يتم تعيينى عضوًا بهيئة تدريس جامعة حلوان    أدعية الفجر.. اللهم اكتب لنا رزقًا يغنينا عن سؤال غيرك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بداية الحكاية| «الأواني الكانوبية» قصة أوعية الخلود وأسرار أبناء حورس
نشر في بوابة أخبار اليوم يوم 29 - 11 - 2025

في ليلة هادئة من ليالي طيبة القديمة، حيث تلتف النجوم حول معابد الكرنك مثل حُرّاس من نور، جلس كهنة التحنيط داخل بيت الحياة، يستعدون لطقس جنائزي جديد، كان الصمت يملأ المكان إلا من همسات البخور وصوت أقدام الكهنة على الأرض الحجرية، في وسط القاعة، وُضعت أربعة أوانٍ لامعة من الألباستر، نقية كضوء القمر، تحمل ملامح غريبة: رأس إنسان، رأس قرد، رأس صقر، ورأس ابن آوى.
اقترب الكاهن الأكبر، ورفع مصباح الزيت، وقال بصوت عميق: "هذه ليست أوانٍ.. هذه حُراس الأبدية" .
◄ ميلاد الأواني
يحكي لنا اليوم عالم المصريات الدكتور مصطفى وزيري، عن أسرار وكأنه يرى المشهد بعينيه، أنه قبل آلاف السنين اعتقد المصري القديم أن الإنسان لا يموت.. بل ينتقل، وأن جسده هو سفينة الرحلة، وأن الأعضاء الداخلية هي كنوزه التي لا بد أن ترافقه للبعث، ولذلك، صُنعت الأواني الكانوبية، ليس كأوعية فحسب، بل كقلوب صامتة تحفظ حياة صاحبها حتى يستيقظ من نومه الأبدي.
في ورش الحرفيين، كان الألباستر يُنحت كأنه قطعة من الشمس المتجمدة، كل إناءٍ يُصقل بحنان، وكل وجه يُنحت بدقة، وكأن فنانًا يعرف أن ما بين يديه ليس حجرًا.. بل حارسًا لروح إنسان.
◄ أبناء حورس الأربعة
يُقال إن الأواني ليست مجرد أوانٍ، بل أربع شخصيات مقدسة:
1- إمحوت ذو رأس الإنسان، حارس الكبد.
2- حابي ذو رأس القرد، يحمي الرئتين.
3- دوا موت إف برأس ابن آوى، يحمي المعدة.
4- قبح سنوف برأس الصقر، حارس الأمعاء.
كان كل واحد منهم يقف أمام المتوفى في عالم الآخرة، يقدّم له عضوًا من أعضائه كي يعود كاملًا كما كان في الدنيا. ولذلك زُوّج كل إناء بإلهة حارسة: إيزيس، نفتيس، سرقت.. كأن هناك جيشًا من الضوء لحماية جسد واحد.
◄ ليلة التحنيط
تبدأ الليلة التي تنتظرها الروح منذ أن فارقت الجسد، يحمل الكهنة أدوات التحنيط، وبجانبهم تقف الأواني الأربعة تنتظر دورها، يُفتح الجسد بحرص شديد، وتُغسل الأعضاء بالنبيذ والزيوت المقدسة، وتُحنط وتُلف بضمادات كتانية ناعمة كنسيم النيل، ثم، واحدًا تلو الآخر، تُوضع الأعضاء داخل أحضان أبناء حورس.
تغلق الأغطية الحجرية بإحكام، ويُقرأ عليها دعاء: "احمِ ما أودع لديك.. حتى يعود صاحبه للحياة من جديد"، ومع كل إناء يُغلق، يدرك الكهنة أنهم لا يحفظون عضوًا فقط بل يحفظون فرصةً للخلود.
◄ الأواني تحكي
مرت آلاف السنين، وبقيت الأواني الكانوبية في ظلام المقبرة، بجوار التابوت وأدوات المتوفى، سمع الكثيرون عنها، لكن قليلين فهموا قيمتها.
وفي أحد أيام القرن الحديث، دخل فريق من علماء المصريات إلى المقبرة، يتقدمهم الدكتور مصطفى وزيري. رفع أحدهم مصباحه، ولمع وجه صقر من الألباستر في الظلام. قال وزيري مبتسمًا: "هذه ليست مجرد قطعة أثرية.. هذه شهادة على عبقرية المصري القديم" .
وعندما فُحصت الأواني، وجدوا نقوشًا دقيقة تحمل اسم المتوفى وألقابه، دعوات للحماية، وصلوات للبعث، كانت الأواني ككتب مقدسة، كتبت بلغة لم تعد تُستخدم لكنها لا تزال تُقرأ.
◄ عبقرية لا تموت
كيف استطاع الفراعنة أن يصنعوا نظامًا بهذه الدقة؟
كيف عرفوا قيمة كل عضو؟
وكيف ربطوا كل جزء من الجسد بإله معيّن؟
كانت تلك الأسئلة تدور في أذهان العلماء.
لكن الإجابة كانت دائمًا واحدة: لأنهم كانوا يفكرون في الأبدية، لا في الحياة فقط.
لم يخافوا الموت، فقد رأوه بابًا لرحلة أخرى، ولم يتركوا شيئًا للصدفة، كل عضو له مكان، وكل دعاء له معنى، وكل إناء له روح.
الأواني الكانوبية كانت جزءًا من منظومة كاملة:
– فن
– طب
– دين
– كيمياء
– فلسفة
– وإيمان عميق بالبعث، ولهذا وصلت إلينا كما هي.. جميلة، صامدة، تحمل أسرارًا لا تشيب.
◄ حين يتحدث الحجر
اليوم، عندما تراها خلف زجاج المتحف، تبدو كأنها أحجار منحوتة، لكن الحقيقة أن كل إناء منها يحمل نبض إنسان عاش قبل آلاف السنين، وانتظر أن يعود كما كان، وفي صمتها، تحكي لنا حكاية حضارة لم تُخلق لتختفي.. بل لتبقى، تلك هي حكاية الأواني الكانوبية، حكاية الإنسان الذي أراد أن يهزم الزمن.. فكتب خلوده داخل حجر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.