عندما يصدر قرار من البيت الأبيض، وتحديدًا من رجل بحجم دونالد ترامب رئيس أمريكا، والذى لا يتحرك بقرارات عبثية، ويجيد صناعة الضجيج، كما يجيد اقتناص اللحظة، بتصنيف فروع لجماعة الإخوان كمنظمات إرهابية، فإن السؤال يجب ألا يتوقف عند، لماذا الآن؟ بل يتجاوزه إلى ما الذى ننتظره من الغد؟ القرار فى ظاهره يبدو خطوة أمنية قانونية، سياسية، تستهدف كيانًا ظل لعقود مادة للصراع فى الشرق الأوسط، وفى الوقت نفسه ورقة مساومة على موائد القوى الكبرى. وهنا يفرض علينا أن نتبع السياق لا النص، وفهم الباطن دون الاكتفاء بالعناوين، عند قراءة القرار. فلا يمكن فصل الخطوة عن لحظة إقليمية مشتعلة، غزة تنزف، وواشنطن تبحث عن موضع وسط خرائط الدم.. والإخوان فى نظر الإدارة الأمريكية، أصبحوا أقرب إلى كيان فقد بريقه الاستراتيجى، ولم يعد يصلح للاستثمار السياسى، بل صار عبئًا على أى تحالف محتمل.. وبالتالى فإن تصنيفهم الآن كجماعة إرهابية هو إعلان نهاية صلاحية تلك الورقة.. كما أن القرار يحمل رسالة مزدوجة، الأولى لحلفاء واشنطن التقليديين فى الشرق الأوسط.. نحن معكم نشارككم المخاوف من الإخوان والثانية للداخل الأمريكى، بأن ترامب لا يزال الرجل القوى، الذى لا يساوم مع من يشتبه فى صلته بالتطرف. لكن ما يجب الوقوف أمامه هنا هو ما لا يقال.. القرار لم يصنف الجماعة ككل، بل فروعا منها. وهو تمييز مقصود، يفتح الباب لاستخدامات سياسية مستقبلية لها.. بعبارة أخرى، واشنطن لا تزال تحتفظ ببعض الأوراق، وتضع الجماعة على الرف، لا فى سلة المهملات بعد.. والأهم من ذلك، أن هذا القرار، رغم ضجيجه، لا يحل أزمة الفكر، ولا يقترب من الأسباب التى صنعت ظاهرة الإسلام السياسى أصلًا.. فالحرب على التطرف لا تخاض فقط بالقوائم والتصنيفات، بل تخاض فى المدارس والجامعات والإعلام والثقافة، فى صناعة الوعى قبل صناعة الأحكام. فى تقديرى أن هذا القرار تختلط فيه السياسة بالاستعراض فهو ليس نهاية الجماعة، ولا بداية فصل جديد.. بل انتقال إلى مشهد جديد.. من فيلم طويل، كتب السيناريو فيه من يعرف كيف يمسك العصا من المنتصف، ويضرب بها متى شاء. مشهد تتقاطع فيه مصالح الأمن مع حسابات الانتخابات، وتدار فيه ملفات الشرق الأوسط كما تدار بورصة نيويورك، بسرعة وبحساب دقيق للمكسب والخسارة. نحن أمام قرار يحمل من الرمزية أكثر مما يحمل من الفعل.. لكنه قرار يؤسس لتحول لا يمكن تجاهله.. فحين تتحرك واشنطن بهذا الاتجاه، فإن العواصم الأخرى تعيد النظر فى مواقفها تجاه هذه الجماعة الإرهابية .