منذ خروج أبينا آدم من الجنة، ظلت أمنية الخلود تراود البشر، وتمدّدتْ عبْر مساحات تاريخية وجغرافية شاسعة. مع الاستسلام لسطوة الموت كأمر واقع، تقلصت تلك الرغبة المزمنة، واقتصرت على السعى إلى «مطّ» العمر لأقصى فترة ممكنة، وانتقلت الفكرة من عصور الأساطير لزمن سيطرة العلم. الغريب أن أفقى الضيق يمنع استيعابى لهذا الحلم، الذى يداعب البعض برعاية شركات عقاقير، تزعم حمايتهم من كابوس الرحلة الأخيرة.. ولو بشكل مؤقت. مؤخرا، أعلنت شركة صينية ناشئة متخصصة فى أبحاث طول العمر، أنها تقوم بتطوير أقراص من بذور العنب، تمنح من يتعاطاها فرصة البقاء على قيد الحياة، لفترة تصل إلى 150 عاما. بالتأكيد ستجد الأقراص سوقا رائجة، يقتصر زبائنها على أصحاب الملايين، الراغبين فى الاستمتاع بثرواتهم لأطول وقتٍ ممكن، باعتبار أن الأموال من وجهة نظرهم هى الأكثر إفرازا لهرمون السعادة. دون أن أعرف ما هى ضمانات نجاح المُنتج، خاصة أن للموت أسبابا كثيرة، لا تقف عند حدود الصحة وحدها. أتعجب من رغبة بعض البشر فى إطالة أعمارهم، على سطح كوكب تطغى عليه معاناة لا تستثنى حتى المليارديرات، صحيح أن لديهم ما يكفى من مقومات المتعة، غير أن المُتع فى هذه الدنيا ليست مادية فقط، إلا إذا اقترن العقار المستهدف بأدوية أخرى، تمنح صاحبها راحة البال ووفاء الأبناء وسكينة القلب، التى يبقى الحرمان منها واحدا من أهم أسباب منغصات العيش، لهذا قد يندفع العشاق اليائسون إلى الانتحار، كبديل آمن يحميهم من الجنون مثلا! . لستُ يائسا مثل أبى العلاء المعرى، رغم أننى أؤيده فى أن الحياة كلها تعب، وأعجب مثله من كل راغب فى ازدياد، خاصة أن غالبيتنا لا يملكون رفاهية الاستمتاع بأيامهم، وسط ما تفرضه علينا دوامات الاحتياج من أشغال شاقة مؤبدة، وأعتقد أن الأمر ينطبق على مفرطى الثراء، فطويل العمر منهم سيجد نفسه محاصرا بين أمرين أحلاهما مر: الوحدة إذا لم يستطع توفير العقار لكل المحيطين به، والملل منهم إذا طالت أعمارهم مثله!