علي عبد الرحمن الإنشاد الديني فن عتيق قديم، ارتبط بالطقوس والمناسبات الدينية، من نظم وأشعار وصيغ أدبية في إطار المدائح، والابتهالات، والتسابيح، وتقدمه فئة يطلق عليهم "المنشدون"، وتطور عبر الأزمان، وأصبح فنا له اصوله، اقترن بالموسيقى ويعتمد على الإيقاع المؤثر في النفس، أبدع في أدائه وتربع على عرشه كثيرون، وتركوا إثرا يردده المريدون على مر الزمان. فن قديم كانت الحضارة المصرية القديمة أول من عرف فن الإنشاد الديني، وكان مصاحباً للطقوس والشعائر داخل المعابد عبر مجموعة من الترانيم التى تستند إلى نصوص دينية، ووثقتها الحضارة الفرعونية على جدران المعابد وتوابيت الموتى والبرديات وأهمها بردية كتاب الموتى. واتفق الباحثون على أن الموسيقى ارتبطت ارتباطاً وثيقاً بالحياة الدينية وكانت لها مكانتها داخل المعابد عند إقامة الشعائر الدينية، خصوصاً بعد إكتشاف مقبرة "نفر"، مطرب الملك إختانون، وكانت تحتوي على العديد من الآلات الموسيقية التى تستخدم في العزف، وأن الطريقة التى كانت تؤدى بها تلك التراتيل عن طريق الإلقاء أو التلاوة، وتعد أنشودة إختانون أشهر تلك الأناشيد بالحضارة المصرية القديمة. الإنشودة المسيحية ويعد القداس من أهم الصيغ الموسيقية الدينية للكنيسة الكاثوليكية اللاتينية، وينقسم إلى قسمين الخاص، والعادي، الخاص يتألف من أقسام تختلف تبعاً للأعياد أو المناسبات الدينية التي تحددها الكنيسة، أما القسم العادي فيتألف من الأقسام الغنائية الثابتة والرئيسية التي لا تتغير مناسباتها الدينية في العام ماعدا "الأسبوع المقدس". وتتبع الأناشيد ذات النص اللاتيني طريقة غناء الصوت الواحد أو الغناء "الغريغوري"، وقررت الكنيسة الكاثوليكية مؤخراً، أن يترجم النص اللاتيني إلى اللغة المحلية للبلد الذي يتلى فيه القداس، وكان أول قداس "نوتردام" للموسيقي غيوم دوماشو، مؤلفاً من سلسلة من الموتيت وأنشد بأسلوب تعدد الأصوات، ومنذ القرن ال18 ، تطور بعض أجزاء القداس مثل "الإيمان" الذي أصبح شبيهاً ب"المغناة"، المكون من أغان فردية أو ثنائية أو جماعية. أصول وتطور في عهد الأمويين أصبح الإنشاد فناً له أصوله وضوابطه وقوالبه وإيقاعاته، واشتهر كثير من المنشدين، وكان أكثر المشتغلين بفن الإنشاد الديني وتلحين القصائد الدينية، إبراهيم بن المهدي وشقيقته علية، وأبو عيسى صالح، وعبد الله بن موسى الهادي وكان عبدالملك بن مروان في دمشق يشجع الموسيقيين وأهل هذا الفن ويدعمهم. وتطور فن الإنشاد الديني في عهد الفاطميين، لاهتمامهم بالاحتفالات الاجتماعية، لأنهم أول من أقاموا الاحتفال برأس السنة الهجرية، والمولد النبوي الشريف، وأول رجب، والإسراء والمعراج، وأول شعبان ونصفه، وغرة رمضان، وغيرها من المناسبات الدينية التي أقيمت في مجالس الذكر والحضرة. في بدايات القرن العشرين أصبح للإنشاد الديني أهمية كبرى، حيث تصدى لهذا اللون من الفنون كبار المشايخ والمنشدين الذين كانوا يحيون الليالي الرمضانية، والمناسبات الدينية، وتطورت قوالب الفن فأصبحت له أشكال متعددة وأسماء كثيرة تمجد الدين الحنيف، وتدعو للوحدة والفضيلة. الرواد ومن أبرز الرواد بالعصر الحديث، الشيخ علي محمود، من مواليد حي الحسين 1887، وهو المؤسس لفن الإنشاد الحديث، وبلغ من عبقريته أنه كان يؤذن للجمعة في الحسين كل أسبوع أذاناً على مقام موسيقي لا يكرره إلا بعد عام، وصار منشد مصر الأول الذي لا يعلى عليه في تطوير وابتكار الأساليب والأنغام والجوابات، وتتلمذ على يده جيل العمالقة من المشايخ مثل الشيخ طه الفشني، ومحمد الفيومي، وكامل يوسف البهتيمي. وسار الفشني على نهج معلمه حتى أختير رئيساً لرابطة القراء سنة 1962، وقال عنه متخصصو علم الصوتيات إن الله وهبه صوتا ملائكيا عذبا ومقامات صوتية تعدت نحو 17 مقاما يتنقل من بينها بسهولة ويسر، تارك أكثر من 14 ساعة من الإبتهالات والتواشيح، بجانب 286 تسجيلاً للقرآن الكريم. أما الشيخ محمد الفيومي، فقد حفظ القرآن الكريم وتعلم أصول التجويد والترتيل، وعمل مؤذناً لمسجد الحسين خلفاً لشيخه علي محمود، وتربع على عرش الإنشاد والمديح الديني وأصبح من كبار المبتهلين والمنشدين بالإذاعة المصرية العام 1945. ويعد أول أزهري يظهر في السينما المصرية، يؤدي الابتهالات والتواشيح الدينية، ومن أبرز مشاركاته فيلم "عزيزة" 1954، وفيلم "رصيف نمرة 5" 1965، ورحل عن عالمنا في 10 إبريل 1988. إمام المبتهلين أما الشيخ نصر الدين طوبار "إمام المبتهلين"، من مواليد محافظة الدقهلية 1920، حفظ القرآن الكريم بعامه 12، ذاعت شهرته بمسقط رأسه، وتقدم إلى اختبارات الإذاعة ولكنه رسب 6 مرات، ومع إصراره نجح في السابعة العام 1956، وتم تعيينه قارئاً للقرآن الكريم ومنشداً للتواشيح بمسجد الخازنداره بشبرا، كما اختير رئيساً لفرقة الإنشاد الدينى التابعة لأكاديمية الفنون المصرية، وقدم ما يقرب من 200 ابتهال وتواشيح، أبرزها "جل المنادى" و"يا مجيب السائلين" و"هو الله"، ورحل عن عالمنا في 6 نوفمبر 1986. الكروان أما "كروان الإنشاد" الشيخ سيد النقشبندي، مواليد محافظة الدقهلية 7 يناير 1920، فحفظ القرآن الكريم بعمر العاشرة، بدأت مهاراته في الإنشاد تظهر بعد حفظه للكثير من الأبيات الشعرية للإمام البوصيري وابن الفارض وأحمد شوقي، وكتابات المنفلوطي وعباس العقاد، وتحول إلى أيقونه في عالم الإنشاد خلال فترة قصيرة. وانطلق النقشبندي في ترديد الابتهالات والتواشيح وتنقل بين أشهر مساجد المحروسة، حتى سمعه الإعلامي المصري أحمد فراج وهو ينشد بعض الابتهالات في مسجد الحسين بالقاهرة العام 1966، وأنضم إلي الإذاعة العام 1967. وله قصة طريفة مع الموسيقار بليغ حمدي عندما قال للإذاعي وجدي الحكيم "على آخر الزمن أتعاون مع ملحن أغاني بهية وعدوية"، مستنكراً طلب الرئيس بأن يكون هناك تعاون بينه بليغ، وطلب منه الحكيم أن يسمع اللحن في ستديو الإذاعة، وإذا أعجبه يقوم بخلع عمامته، وإذا لم يعجبه يتم الاعتذار لبليغ بأية حجة. وبعد سماع النقشبندي اللحن، لم يخلع عمامته، بل خلع الجبة وكاد يطير من الفرحة، واصفاً بليغ ب"الجن"، وقدما بعده 15 ابتهالاً دينياً من أشعار عبد الفتاح مصطفى، تمت إذاعتها في شهر رمضان، بالبرنامج الإذاعي "أنغام الروح"، ومن أشهرها "مولاي" و"دار الأرقم". اقرأ أيضا: عروض إنشاد دينى وترانيم كنائيسية بمهرجان قنا للفنون على مسرح ثقافة قنا