لأول مرة فى التاريخ، نرى المرشدين السياحيين يتحولون إلى نجوم على منصات التواصل الاجتماعى، ظاهرة غير مسبوقة، تشير إلى أن المصريين بدأوا ينظرون إلى حضارتهم بعين مختلفة. فى عام 1822، فك شامبليون رموز حجر رشيد، ليفتح بابا عظيما لفهم الحضارة المصرية القديمة لكنى أزعم أن المصريين اكتشفوا جزءا كبيرا من حضارتهم حقا يوم 1 نوفمبر 2025، عند افتتاح المتحف المصرى الكبير فى ذلك اليوم، لم يكن الافتتاح مجرد حدث ثقافى، بل كان لحظة اكتشاف جماعى لسر خفى. مقتنيات المتحف، التى ظهرت لأول مرة بشكل منظم ومضاء كما تستحق، أصابت الجميع بالذهول. لم يكن الانبهار بكميات الذهب أو فخامة التوابيت، بل كان التأمل فى التفاصيل، فى النحت، فى الخط، فى التناسق.. هناك فى المتحف اكتشفت أن سر خلود الحضارة المصرية هو «الإتقان» نعم، الإتقان هو المعجزة، وهو مفتاح الخلود والسر المدفون فى قدس الأقداس.. تمثال واحد يكفى ليبرهن أن المصرى القديم لم يكن مجرد فنان، بل كان عالما، ومفكرا، ومجربا. المصرى القديم لم يبن الهرم الأكبر بمساعدة كائنات فضائية، كما يروج البعض، بل بناه بسلسلة طويلة من التجارب، والفشل، والإصرار، والعمل، والإتقان. لقد تأمل الطبيعة، ودرس قوانينها، وطوعها، وابتكر وفشل وأعاد المحاولة، حتى نجح. هذا هو جوهر الحضارات الخالدة أن تتقن عملك، فيكون المقابل هو الخلود. الحضارة المصرية القديمة حملت تلك الرسالة.. مَن يزرع بإتقان، يحصد المجد. مَن ينحت بإتقان، يترك أثرا لا يمحى.. افتتاح المتحف المصرى الكبير لم يكن مجرد حدث ثقافى، بل كان لحظة اكتشاف جماعى لسر الخلود الذى تركه لنا الأجداد. ولأول مرة، نرى المرشدين السياحيين المصريين يتحولون إلى نجوم على منصات التواصل الاجتماعى، يتحدثون عن تمثال، أو بردية، أو تابوت، فتصل مشاهداتهم إلى مئات الآلاف.. ظاهرة غير مسبوقة، تشير إلى أن المصريين بدأوا ينظرون إلى حضارتهم بعين مختلفة.. عين الفخر، وعين الفضول، وعين الحب. إن هذا التغيير الجذرى يفرض علينا إدراك حاجتنا الماسة إلى مرشدين من نوعيات خاصة، لا يكتفون بسرد المعلومات التاريخية والحقائق الجافة. نحن بحاجة إلى مرشدين يمتلكون فن الحكى، وقادرين على تحويل القطعة الأثرية إلى قصة حياة، وعلى ربط الماضى بالحاضر. نريد مرشدين يتقنون أدوات التواصل الاجتماعى، ولديهم القدرة على تقديم محتوى بصرى جذاب وموجه للجمهور المحلى والدولى بلغات مختلفة عبر الإنترنت، لتكون الآثار المصرية ممتدا رقميا فى كل بيت على الأرض.. نريد مرشدين يدركون أن دورهم هو تعميق الوعى الوطنى وتقديم الحضارة كنموذج للإلهام والإتقان، وليس مجرد مزار تاريخى. لذا، يجب أن تتجه المؤسسات التعليمية والسياحية لتطوير برامج تدريبية متقدمة تركز على مهارات السرد القصصي، وإدارة المحتوى الرقمي، ودراسات مقارنة للقيم الحضارية، لتمكين هؤلاء النجوم الجدد من الاستمرار فى مهمتهم التنويرية. ولا بد أن يصاحب هذا التطوير إجراءات عملية ملموسة، منها تدريب فرق من الشباب على غرار نماذج المتاحف والمزارات العالمية الناجحة، حيث نرى شبابا يرتدون ملابس مميزة تحمل عبارة «اسألني» بلغات متعددة، لتقديم المساعدة المباشرة للزوار والإجابة عن استفساراتهم. كما أن لهم دورا مهما فى منع التصرفات الخاطئة داخل المزارات.. حماية تراثنا الأثرى لا يمكن أن يكون بمجرد كتابة مدونة سلوك أو فرض غرامات بدون وجود مراقبة فعالة ورادعة على التصرفات غير اللائقة، لأن القوانين وحدها لا تكفى بدون آلية تطبيق صارمة. إن افتتاح المتحف المصرى الكبير لم يكن مجرد لحظة احتفاء بالماضى، بل كان بداية عهد جديد فى علاقة المصريين بحضارتهم. لقد كشف لنا الأجداد سر الخلود عبر الإتقان، وها نحن اليوم مطالبون بأن نتقن رواية قصتهم للعالم. المرشدون السياحيون الذين أصبحوا نجومًا على منصات التواصل الاجتماعى ليسوا مجرد مفسرين للآثار، بل هم سفراء حضارة، وحملة رسالة، وصناع وعى جديد.. إن حماية التراث لا تكتمل إلا بوعى الناس به، والوعى لا يُبنى إلا عبر رواية مؤثرة تصل إلى القلب والعقل معًا.