حصلت سوق الأسهم الأمريكية في الفترة الأخيرة على الكثير مما كانت تطالب به منذ سنوات من دوائر صنع القرار في واشنطن، حتى مع تصاعد تحذيرات بعض الرؤساء التنفيذيين للبنوك ومراقبي الأسواق بشأن حالة الإفراط في التفاؤل داخل الأسواق المالية، وما يمكن أن يترتب عليها من مخاطر. من تسريع الموافقات على صفقات الاندماج إلى تخفيف القواعد الخاصة بالاحتياطيات المالية التي تُعد بمثابة دروع تحمي البنوك من الخسائر، يعمل المنظمون الذين عينهم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على تنفيذ قائمة المطالب التي تبنتها الصناعة المصرفية، وفي الوقت الذي يجري فيه تخفيف التشديد التنظيمي وطرق تطبيق القواعد على آلاف البنوك، يحذر كبار قادة القطاع المالي، من بينهم رؤساء "مورجان ستانلي" و"جولدمان ساكس"، من احتمالية حدوث تصحيح مالي كبير، في ظل بقاء الأسهم بالقرب من مستويات قياسية مدفوعة بحماس كبير تجاه تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي. ويقود وزير الخزانة سكوت بيسنت عملية تخفيف القيود على البنوك، مقدما إياها باعتبارها محورا رئيسيا في استراتيجية ترامب الاقتصادية، بينما ترى بورصة "وول ستريت" أن الجهات التنظيمية بالغت في تضييقها خلال السنوات التي أعقبت الأزمة المالية التي تسببت في الركود الكبير، وبعد تحقيق البنوك الكبرى واحدا من أقوى أرباحها الفصلية على الإطلاق، تستعد هذه المؤسسات لجني مزيد من المكاسب مع زيادة حرية المخاطرة وتقليص القيود الرقابية. ◄ اقرأ أيضًا | ارتفاع أسعار الأسهم الأمريكية بعد إعلان الهدنة في الحرب التجارية وقال ديفيد ويسل، مدير مركز "هاتشينز" للسياسات المالية والنقدية في معهد بروكينجز: "الإغراء عندما تكون الأوضاع جيدة والأرباح مرتفعة والأسواق مزدهرة هو تخفيف التنظيمات والافتراض بأن الأمور ستستمر بشكل جيد، لكن عندما نقع في أزمة، نندم على أننا نزعنا الوسائد الواقية"، مضيفا "الهدف من التنظيم هو منع الحوادث الصغيرة من التحول إلى أزمة مالية تهز الاقتصاد". ويرى مراقبون أن توقيت هذا التخفيف التنظيمي يحمل مخاطر، حيث أشار فابيو ناتالوتشي، الرئيس التنفيذي لمعهد أندرسن، إلى أن هذه الخطوات تأتي في وقت متأخر من دورة صعود طويلة في أسواق الأسهم والائتمان، حيث وصلت التقييمات إلى مستويات مرتفعة وتراجعت هوامش المخاطر، ما يعكس توقعات غير واقعية بانخفاض معدلات التخلف عن السداد، محذرا من أن تقليل القيود يمكن أن يشجع على الإقراض عالي المخاطر وتخفيف معايير التمويل وزيادة الاعتماد على الاقتراض، بما يعني "إضافة وقود إضافي للمراحل الأخيرة من الدورة المالية". ومن أكثر التغييرات تأثيرا تلك المتعلقة بنسب الديون التي يمكن للبنوك استخدامها لتمويل استثماراتها وحجم الاحتياطيات الإلزامية لامتصاص الخسائر، إذ يخطط الاحتياطي الفيدرالي وجهات أخرى لتخفيف هذه المتطلبات، وهو ما قد يؤدي إلى زيادة الديون وتقليل مستويات الحماية في النظام المالي، في تباين واضح مع الاتجاه الذي كان سائداً خلال إدارة بايدن. كما عدل الاحتياطي الفيدرالي الأسبوع الماضي معايير تقييم أداء البنوك، بحيث يصبح من الأصعب تصنيف بنك ما على أنه سيئ الإدارة، وهو التصنيف الذي يحد عادة من قدرته على تنفيذ عمليات اندماج أو التوسع في فتح فروع جديدة. وقد حذّر مايكل بار، نائب رئيس الفيدرالي السابق للإشراف المصرفي خلال إدارة بايدن، من أن النظام الجديد قد يقلل من الحوافز لمعالجة الإخفاقات الإدارية الكبرى. وتشجع الإدارة الحالية أيضا على تسريع صفقات الاندماج المصرفي، حيث انخفض متوسط زمن الموافقة على عمليات الاندماج إلى نحو أربعة أشهر، وهو أدنى مستوى في 35 عاما، مقارنة بذروة بلغت نحو سبعة أشهر خلال إدارة بايدن، وفق بيانات "إس آند بي جلوبال". وتتخذ الجهات التنظيمية خطوات إضافية للتراجع عن التشدد الرقابي، حيث أعلنت ميشيل بومان، المشرفة الجمهورية الجديدة على أكبر البنوك داخل الفيدرالي، عن تقليص فريق صياغة القواعد في واشنطن بنسبة الثلث تقريبا. ورغم أن هذا التوجه يجد ترحيبا داخل "وول ستريت"، فإن أصوات التحذير تتزايد، حيث حذر المنتدى الاقتصادي العالمي من وجود فقاعات في أسواق العملات المشفرة والذكاء الاصطناعي والدين السيادي، بينما حذر صندوق النقد الدولي الشهر الماضي من تجاهل الأسواق للمخاطر الجيوسياسية والمالية، ما يجعل الأصول المبالغ في تقييمها عرضة لتصحيح "فوضوي". كما أعرب جيمي ديمون، الرئيس التنفيذي ل"جي بي مورجان"، عن مخاوف مشابهة بعدما ظهرت مشاكل في أسواق الائتمان من خلال إفلاس شركات بارزة في قطاع تمويل السيارات، قائلا: "عندما ترى صرصارا واحدا، فغالبا ما يكون هناك المزيد، على الجميع أن يكونوا في حالة حذر". ورغم أن البنوك تستفيد حاليا من هذه الأوضاع، فإن ما تلوح به التحذيرات هو أن الدورات المالية لا تنتهي دون انعطافات حادة، وأن تحرير الأسواق في وقت الذروة المالية قد يجعل هذه الانعطافة أكثر حدة عندما تحدث.