سهير السمان، روائية وناقدة يمنية تقيم فى القاهرة، أصدرت عدة مجموعات قصصية، منها: «موعد آخر»، و«جزء من النص مفقود»، و«يحدها من الشمال»، ولها أيضاً كتاب نقدى بعنوان «الرواية اليمنية فى الألفية الثالثة.. التقنيات السردية ورؤية العالم»، حصلت على جائزة رئيس الجمهورية فى القصة القصيرة باليمن، أما أحدث أعمالها رواية «جنازة واحدة لموت كثير»، الصادرة عن الدار المصرية اللبنانية، فتدور حول أثر التحولات السياسية والاجتماعية فى اليمن على أوضاع ومصائر مجموعة من النساء، وتناقش قضايا مثل البحث عن الحب والحياة فى وطن ممزق، وتأثير الصراعات، والتدين الزائف، والعادات والتقاليد المجتمعية القاسية على المرأة، وعن هذه الرواية دار حوارنا مع الروائية سهير السمان .. ما أبرز التحولات السياسية والاجتماعية التى ألهمتك لتسليط الضوء على وضع النساء فى الرواية، وما الشرارة الأولى التى أضاءت فى ذهنك فكرة تجميع هذه الشخصيات فى مسار سردى واحد يحمل عنوانًا مكثفًا مثل «جنازة واحدة لموت كثير»؟ - تترك التحولات السياسية أثرها على الواقع الاجتماعي، ولقد مر اليمن بأحداث سياسية عاصفة منذ النصف الثانى من القرن العشرين. فمنذ أن قرر اليمنيون الانعتاق من حكم الأئمة شمالاً والاحتلال الإنجليزى جنوباً وهم يواجهون صراعاً على أصعدة كثيرة، ففى الشمال جاء تثبيت أركان الجمهورية والخروج من منظومة السلطة القبلية والقوى الرجعية عائقا أمام التحديث، وفى الجنوب كان لانفجار الوضع السياسى فى عام 1986 بين أجنحة الحزب الاشتراكى المنقسمة تأثير على الواقع الاجتماعي، وتحققت الوحدة اليمنية فى عام 1990 ليتحد الشعبان وترتبطت العديد من الأسر شمالاً وجنوباً وامتزجت الأحلام. ثم كانت النكسة الكبرى فى قيام حرب الانفصال عام 1994، التى سببت صدعاً عميقاً بين الشطرين طال بدوره العلاقات الأسرية والواقع الاجتماعي. وهنا استغلت القوى الدينية السياسية المتطرفة هذه الأحداث وكان لها الدور الرئيسى فى إشعالها لتنقض على أحلام اليمنيين، كل هذه التحولات أثرت على واقع المرأة اليمنية، وامتد هذا الانهيار بعودة الإمامة وسيطرتهم على صنعاء فى 2014. هذه الفترة الزمنية التى جعلتنى اتخذ من الموت والجنازة رمزاً لتشييع أحلام اليمنيين. إلام يرمز العنوان «جنازة واحدة لموت كثير» ؟ - الجنازة لم تكن مجرد جثمان يتم تشييعه من الشمال إلى الجنوب بل كانت جنازة الوطن نفسه المحمل بأحلامه. والموت لم يكن موت البطل الذى جاء من الجنوب عقب تحقيق الوحدة ليرتبط بقريبته التى لم يعرفها إلا بعد اتحاد الشطرين؛ بل كان موت متعدد؛ موت الحب والحرية والنضال، جنازة تنتقل عبر مسافة زمنية تستعيدها البطلة لتضع العديد من علامات الاستفهام لخمس وعشرين سنة انتهت بعودة الحلم جثة هامدة. كيف بنيت شخصيات النساء المختلفة، وما الرابط المشترك الذى يجمعهن رغم اختلاف مصائرهن؟ - كل شخصية فى الرواية مثلت خلفية تاريخية وحلماً. فالشخصية الرئيسية البطلة هى الصوت الناقل لكل ذلك المعترك التاريخى بل وكانت الحلقة التى شهدت اتحاد الشطرين على المستوى الاجتماعى والتى تطلعت للحب القادم من الجنوب. أما فريدة وهى المحور الأهم، القادمة من عدن بعد أحداث 86 الدامية، كانت رمزاً للمدينة التى ارتمت فى أحضان صنعاء، وتشهد تراجعها عن حلمها بعد فشل علاقتها بنائل، وخسارتها عملها كأحد أهم إعلاميات اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي، وهكذا شكلت باقى الشخصيات النسائية حلماً من أحلام الحياة والوطن. ما دور «التديّن الزائف المتشح بالسواد» فى الأحداث، وإلى أى مدى يمثل عائقًا أمام بحث النساء عن الحب والحياة؟ - التدين الزائف كان أحد أهم المحاور، فمن خلاله تغلغل الفكر المتطرف وعادت الرجعية وتأثرت العلاقات الاجتماعية. وهذا ما سمح لجماعات الإسلام السياسى بالتمدد والسيطرة على السلطة وقمع أصوات التنوير والمعارضين، وأباحت دماء القادة الإشتراكيين لإضعاف جناحهم واستبعادهم تدريجياً من السلطة بعد حرب الانفصال فى 1994. «لم نعد نخاف الموت؛ نخاف أن نعيش دون أن نُروى»، ما الرسالة التى تودين أن تصل إلى القارىء، حول مفهوم الوطن؟ - التدوين هو الرسالة التى نقدمها للأجيال القادمة، واليوم أصبح الأدب عموما والرواية بشكل خاص أحد أهم أدوات التدوين، فتاريخ الأوطان اليوم لا يرويه القادة والسياسيون وحدهم. بل أصبح الروائى شاهداً على أحداث وطنه، فعينه ترصد واقع الشخصيات المتأثرة بالتحولات وتفكك أبعاد الزمن والأحداث. أما الرسالة الأهم فهى أن الوطن هو مجموع أحلامنا؛ هو الحب الذى يجمعنا، فإن أضعنا أحلامنا، نضيع ويضيع الوطن.