آية محمد عبد المقصود على مدى سنوات، ظل المسرح المصري يؤكد أنه ليس مجرد فن للعرض، بل وسيلة للمعرفة، وساحة للحوار بين الفنان والجمهور، وجسر من الوعي يمتد إلى كل ربوع الوطن. وفي إطار هذه الفلسفة التي تؤمن بأن الثقافة حق للجميع، انطلق فى الاول من نوفمبر جولة جديدة لمشروع «مسرح المواجهة والتجوال» تحت رعاية وزير الثقافة د. أحمد فؤاد هنو، ليقدم العرض المسرحي «حازم حاسم جدا» في عدد من المحافظات، مواصلا رسالته في الوصول بالفن إلى الجمهور، أينما كانوا. العرض من إنتاج فرقة مسرح الإسكندرية التابعة للبيت الفني للمسرح، بإشراف قطاع الإنتاج الثقافي، برئاسة الفنان هشام عطوة، ويأتي ضمن المرحلة السادسة من المشروع الذي أثبت عبر دوراته السابقة نجاحه في كسر المركزية الثقافية، وإحياء الحركة المسرحية في المحافظات من أقصى الشمال إلى الجنوب. من 1 وحتى 11 نوفمبر الجاري، تجوب قافلة المسرح عددا من المدن، في رحلة تبدأ من المركز الثقافي بطنطا، ثم قصر ثقافة المحلة الكبرى، وتواصل طريقها إلى قصر ثقافة دمنهور، قبل أن تختتم الجولة في قصر ثقافة أبو المطامير، وذلك بالتعاون مع الهيئة العامة لقصور الثقافة. هذه المحطات ليست مجرد أماكن للعروض، بل فضاءات يلتقي فيها الفن بالحياة اليومية، حيث يتحول المسرح إلى حدث شعبي ينتظره الناس، ونافذة تنفتح من خلالها المدينة على الفنون الرفيعة. مسرحية «حازم حاسم جدا»، عمل اجتماعي كوميدي يعالج بذكاء قضايا الإنسان البسيط في الشارع المصري، من خلال مواقف تجمع بين الطرافة والصدق، وتطرح أسئلة عن العلاقات الإنسانية، والتغيرات الاجتماعية، وتناقضات الواقع بروح ساخرة قريبة من القلب. الكاتب وليد يوسف، يقدم نصا ممتعا ومشحونا بالدراما الإنسانية، بينما ينسج المخرج محمد مرسي رؤية إخراجية تحتفي بالحياة وتوازن بين الفكاهة والفكرة. يشارك في بطولة العمل مجموعة من الفنانين الذين يجمعهم حب المسرح وصدق الأداء منهم حسن عبد الفتاح، رضا إدريس، رضوى حسن، آثار وحيد، سارة المزين، محمد هلالي، إلى جانب نخبة من فناني الإسكندرية الذين يضيفون للعرض حيوية ودفئًا خاصين. أما العناصر الفنية فتأتي مكملة للوحة المسرحية، فالموسيقى والألحان من تأليف محمد مصطفى، والديكور والملابس من تصميم محمد هاشم، والاستعراضات من إعداد محمد ميزو، والأشعار من إبداع الدكتور محمد مخيمر، بينما صمم الإضاءة محمد المأموني، وشارك هشام زيتون في إعداد المادة الفيلمية التي تستخدم داخل العرض. هذه المنظومة من المبدعين تشكل فريقا متناغما يقدم عملا متكاملا يجمع بين الترفيه والبصمة الفنية الراقية. ولا تقتصر الفعاليات على العروض المسرحية فقط، بل تصاحب الجولة أنشطة ثقافية وفنية متنوعة في قصور الثقافة بالمحافظات المستضيفة، لتتحول الجولة إلى مهرجان فني مصغر يحتفي بالإبداع بكل أشكاله. تشمل الأنشطة معارض للكتاب تقدم خصومات على إصدارات وزارة الثقافة، وعروضا للفنون الشعبية تعكس تراث كل محافظة، ومعارض للحرف اليدوية لدعم الصناع التراثيين، إضافة إلى توزيع كتب مجانية للأطفال لتشجيعهم على القراءة منذ الصغر، ومعارض للفنون التشكيلية تبرز مواهب الفنانين المحليين وتحتفي بروح الهوية المصرية في الفن. بهذا التكامل بين المسرح والثقافة والمجتمع، يتحول المشروع إلى تجربة شاملة تُعيد الفن إلى وظيفته الأولى: أن يكون في خدمة الإنسان، وأن يفتح أمامه نافذة للأمل والخيال والجمال. فمنذ انطلاقه، حمل مشروع «مسرح المواجهة والتجوال» رؤية واضحة أن الفن لا ينبغي أن يظل حبيس العاصمة، وأن جمهور الأقاليم يستحق أن يرى أعمالا فنية بنفس الجودة والقيمة التي تقدم في القاهرة. من هنا، أصبح المشروع تجسيدا حيا لفكرة «المواطنة الثقافية» التي تؤمن بالمساواة في حق الوصول إلى المعرفة والفنون. نجح المشروع خلال مراحله السابقة في الوصول إلى عشرات القرى والمراكز، مقدما عروضا مسرحية في الساحات والمدارس والمراكز الثقافية، ليصبح نموذجا ملهما في دمج الثقافة بالحياة. ومن خلال هذه الجولة الجديدة، يؤكد المشروع أن المسرح ليس مجرد عرض يقدم على خشبة، بل حوار حيّ بين الفن والناس، بين الوعي والحياة، وبين الوطن وأبنائه. إنه دعوة لأن يعيش الناس معا لحظات من الفرح والتفكير والتأمل، في زمن تزداد فيه الحاجة إلى البهجة وإلى الكلمة الصادقة التي تلامس القلب والعقل معا. «حازم حاسم جدا» ليس فقط عنوان عرض مسرحي، بل شعار لروح جيل من الفنانين قرروا أن يحملوا المسرح على أكتافهم، وأن يخرجوا به إلى الشوارع والقرى والمدن، ليقولوا إن الفن ما زال قادرًا على أن يصنع الفرق، وأن ينشر النور في كل مكان. اقرأ أيضا: المهن التمثيلية تطلق «أوسكار المسرح المصري» لاختيار أفضل عرض يمثل مصر عالميًا