طارق فهمى ستعارض الدول العربية والوسيطة على وجه الخصوص وعلى رأسها مصر فكرة تقسيم غزة تدرس واشنطن وتل أبيب خطةً لتقسيمٍ مؤقتٍ لغزة بين مناطق تخضع لسيطرة إسرائيل وأخرى لحماس، بهدف تجاوز العقبات أمام المرحلة الثانية من الاتفاق، وأن الإدارة الامريكية تدرس تحديثا بشأن مقترح لتقسيم غزة حال مواجهة أى تعثر فى خطة ترامب، ورغم ما بدأ يتشكل على الأرض بالفعل وبدء عمل مركز التنسيق الأمريكى الإسرائيلى فى جنوب إسرائيل والبدء فى القيام بعمليات استطلاع جوى فوق سماوات غزة لرصد أى تحركات من حركة حماس أو أى نشاط جار التخطيط له من داخل القطاع. يكشف هذا المخطط سعى الحكومة الإسرائيلية لتكريس استراتيجية الوضع الراهن وعدم الدخول فى المرحلة الثانية والتنصل من الخطة الامريكية، كما ان نتائج زيارات المسئولين الأمريكيين لم تحسم الامر المتعلق بالدخول والنفاذ الى المرحلة التالية، خاصة أن الإشكالية الرئيسية هى تخوف الحكومة الإسرائيلية من الإقدام على التعامل مع الواقع الراهن للقطاع وبقاء حركة حماس، وتمضى استراتيجية الخطة الامريكية فى سياقات محددة وهو الامر الذى قسم القطاع بالفعل الى مجموعة خطوط، ما يكشف بعمق عن وجود مقدمات لتقسيم القطاع الى كانتونات منفصلة بين حماس والحكومة الإسرائيلية، كما أن هذا المقترح يقرر بالفعل استراتيجية المناطق العازلة التى تريد الحكومة الإسرائيلية تنفيذها على ارض الواقع، ما يفتح الباب للتقسيم على الأرض لحين نزع سلاح حركة حماس، والتخوف من ان المراحل التالية من الخطة الامريكية قد تطول بسبب عدم تنفيذ اية استحقاقات من قبل الطرفين، ما سيقر بالواقع الراهن داخل القطاع وإعطاء فرصة للحكومة الإسرائيلية للتنصل من اية التزامات والإبقاء على الامر الواقع وعدم المضى قدما فى أى التزام يتم الاتفاق بشأنه. فى السياق المقترح، فإن مهام القوة الدولية ستكون العمل فى مناطق متعددة وليس فقط فى مواقع متصلة، ما يعطى الفرصة للتهرب من أى التزام من قبل حركة حماس، كما لا يعطى للإدارة العربية المقترحة ولجنة الإسناد العمل فى مساحة متصلة وممتدة، ولهذا فإن تقسيم القطاع سيكون له تبعاته فى استمرار المواجهات مرة أخرى فى ظل ترويج الاعلام الإسرائيلى أن حركة حماس لا تزال تملك مئات الصواريخ التى تستطيع تهديد إسرائيل فى المدى المتوسط والطويل الاجل. وسيؤدى أى توجه بتقسيم القطاع الى نتائج خطيرة، وسيقسم المقسم أصلا فى الأراضى الفلسطينية، وقد يعطى الحكم لبعض العشائر الفلسطينية بما سيؤدى الى حالة من الفوضى فى المناطق التى سيتم التعامل معها فى اطار تقسيم مناطق تتبع حماس والفصائل الفلسطينية وأخرى تتبع إسرائيل، ما قد يؤدى الى مزيد من المواجهات. وقد تتعطل مشروعات الإعمار خاصة ان المخطط الأمريكى الإسرائيلى قد يعود الى بدء الاعمار فى بعض المناطق التى يسيطر عليها فى مقابل بقاء بعض المناطق الأخرى التى ستوجد فيها حركة حماس لتعميرها الامر الذى قد يوقف بالفعل المشروع العربى للإعمار، ولعل تصريحات جاريد كوشنر تمضى فى هذا الاتجاه خاصة أنه أشار الى ان الاعمار سيبدأ فى بعض المناطق دون الأخرى فى إشارة للتفكير الأمريكى فى التخطيط لتقسيم القطاع. وطبيعيا، ستعارض الدول العربية والوسيطة على وجه الخصوص وعلى رأسها مصر فكرة تقسيم غزة، على اعتبار أنها قد تؤدى إلى منطقة سيطرة إسرائيلية دائمة داخل القطاع، ومن غير المرجح أن تُلزم قواتها بمراقبة القطاع وفقا لهذه الشروط، ومن الواضح أن فكرة تقسيم غزة تمثل إحدى الصعوبات التى لم تُحل بعد والمتمثلة فى نزع سلاح حماس وتشكيل حكومة بديلة يمكنها الإشراف على القطاع وتهيئة بيئة آمنة لاستثمار مليارات الدولارات اللازمة لإعادة الإعمار، وأن كوشنر هو القوة الدافعة وراء خطة إعادة الإعمار المقسّمة، بعد أن وضعها بالتعاون مع المبعوث الخاص ستيف ويتكوف. كما لا تزال خطة التقسيم بحاجة إلى حل مسائل مهمة قبل أن تصبح قابلة للتطبيق، بما فى ذلك كيفية توفير الخدمات اليومية للفلسطينيين الذين يعيشون فى الجزء الذى تحتله إسرائيل من غزة، بافتراض أنهم كانوا على استعداد للانتقال إلى هناك وأن الإدارة الامريكية كانت قد نظرت فى إعادة بناء المناطق التى لم تكن تسيطر عليها حماس حتى قبل التوصل إلى وقف إطلاق النار، على أمل أن يحسّن ذلك ظروف الفلسطينيين ويكون رمزا لغزة ما بعد حماس. إن خطة تقسيم غزة وبناء مناطق خاضعة للسيطرة الإسرائيلية فى غزة قد تُضعف حماس سياسيا، بينما تُمكّن الجيش الإسرائيلى من القيام بعمليات تُضعف قدرة الحركة على القتال بشكل أكبر. وبمرور الوقت، قد تنتزع إسرائيل المزيد من الأراضى من سيطرة حماس، وفى الوقت نفسه تُعزز منطقة عازلة أمنية بين البلدات الإسرائيلية القريبة من الحدود مع غزة وهى التى تعرضت للهجوم الذى قادته حماس فى 7 أكتوبر 2023 كما أن خطة التقسيم لا تزال فى مراحلها الأولى، متأثرة بالخطط الإسرائيلية السابقة لإنشاء كانتونات خالية من حماس داخل غزة لتقويض قبضة حركة حماس على السلطة. وقد تكرّس الخطة واقعًا مشابهًا للضفة الغربية، بحيث تفرض إسرائيل سيطرة أمنية شاملة وتترك الفلسطينيين فى مناطق معزولة. وعلى اعتبار أن غزة هى آخر مساحة متصلة يمكن أن تكون نواة لدولة فلسطينية فإن تقسيمها بهذا الشكل يحقق ما تتخوف من تبعاته إسرائيل، وأن مطالبة الإدارة الامريكية لحماس بالتخلى عن سلاحها دون ضمانات سياسية حقيقية تعنى أن النتيجة ستكون جمودًا طويل الأمد، لا سلامًا دائمًا.