د. هدى زكريا: أداة خالية من المسئولية الأخلاقية د. فتحى الكومى: محفز خطير للسلوكيات القهرية والانتحارية فى واقعة صادمة هزّت الرأى العام، أقدم شاب على الانتحار بعدما لجأ إلى برنامج الذكاء الاصطناعى «شات جى بى تى» بحثًا عن إجابات لأسئلته الوجودية، فكانت النتيجة مأساوية وبالرغم من أن الخبراء اعتبروا الحادثة «استثنائية» وتحمل سمات مرضية، إلا أنها فتحت الباب واسعًا أمام تساؤلات مخيفة..هل يمكن للذكاء الاصطناعى أن يدفع الإنسان إلى حافة الانهيار؟ وهل ما نعتبره مساعدًا ذكيًا قد يتحول إلى محرض خفى؟ ما بين طلبة فقدوا القدرة على التفكير النقدى، وشباب خسروا ثقتهم بأنفسهم، وحالات بدأت تتحدث عن «ذهان الذكاء الاصطناعى»، تتزايد الأصوات المحذّرة من الاعتماد المفرط على هذه التطبيقات، التى أصبحت بديلًا عن الحوار، والمذاكرة، وحتى العلاقات الإنسانية.. فى هذا التحقيق نعرض شهادات حقيقية، ونحلل آراء متخصصين فى علم النفس، الاجتماع، القانون، والإعلام.. لنكتشف الوجه الآخر من القصة: حين يتحول الذكاء الاصطناعى من أداة مساعدة إلى خطر يهدد العقل والحياة.. من قصص طلاب فقدوا قدراتهم الذهنية، إلى حالات انتحار مثيرة للجدل، تقف المجتمعات اليوم أمام تساؤل جوهرى.. هل نحن من نتحكم فى الذكاء الاصطناعى، أم أنه بات يتحكم فينا؟ اقرأ أيضًا | الذكاء الاصطناعي يعزز سوق القياسات الحيوية وسط توسع في الهويات الوطنية فى البداية قال إسلام سيد، طالب فى الثانوية العامة، إنه كان يعتمد بشكل كبير على برنامج شات جى بى تى فى جميع جوانب دراسته، حيث كان يستشيره فى الأماكن التى قد تساعده فى المذاكرة مضيفاً أنه استخدم البرنامج بشكل مستمر فى تحضير المواد الدراسية طوال العام، بما فى ذلك تحضير الملاحظات والمراجعات النهائية. وأوضح إسلام «كان شات جى بى تى يساعدنى فى تنظيم الوقت وتقديم أفكار للمراجعة، لكن للأسف، لم يحقق النتائج المرجوة حصلت على 59٪ فى امتحانات الثانوية العامة، وهو ما لم يكن كافيًا لتحقيق النجاح المطلوب». وأشار إسلام إلى أنه بعد هذا الفشل قرر عدم الاعتماد على البرنامج فى المراجعات المستقبلية، مؤكدًا أن اختياره لاستخدام شات جى بى تى كان «اختيارًا فاشلاً» بالنسبة له..يعتقد إسلام أن التكنولوجيا لا يمكنها تعويض الجهد البشرى والمذاكرة التقليدية. حل الواجب بينما قال أحمد جمال «22 عامًا - طالب جامعى» «كنت فى البداية أستخدم شات جى بى تى لحل واجباتى الجامعية بالكامل، دون أى مجهود شخصى.. كنت أظنه وسيلة ذكية لتوفير الوقت، لكننى اكتشفت بعد فترة أننى بدأت أفقد القدرة على التفكير النقدى، وأصبحت أعتمد عليه بشكل شبه كامل، حتى فى أبسط المهام شعرت بأننى بدأت أفقد ثقتى فى قدرتى على التحليل والكتابة.. توقفت تمامًا عن هذا الاستخدام بعد أن لاحظ أحد أساتذتى تكرار الصياغات الغريبة، ونبّهنى إلى خطورة الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعى. الآن، أستخدمه فقط كمساعد، لا كمصدر أساسى». مجرد أداة فى لحظة من لحظات التوتر والاحتقان، وجدت آسيا محمود نفسها على حافة الانفصال عن زوجها.. اعتادت آسيا اللجوء إلى الذكاء الاصطناعى «شات جى بى تى» بحثًا عن نصيحة أو إجابة، لكن فى هذه المرة بدا الحديث مع زوجها مسدودًا، وكأن الطلاق هو المصير الوحيد. تقول آسيا «كنت أعتمد على شات جى بى تى بشكل دائم، لكن هذه المرة أدركت أننى بحاجة إلى صوت بشرى يشعر ويفهم».. بتشجيع من إحدى الصديقات، قررت آسيا الاستماع لتوصيات متخصصة نفسية، واتبعت خطة علاجية مبنية على الحوار والتفاهم وتضيف آسيا «التغيير بدأ منى.. عندما قررت أسمع بدل ما أرد بس» اليوم، تؤكد آسيا أن تدخل البشر لا يزال له قيمة عظيمة، وأن الذكاء الاصطناعى أداة، لكنه لا يمكن أن يحل محل القلب والعقل البشرى عندما يتعلق الأمر بالعلاقات. اضطراب نفسى وعلى جانب آخر أكدت الدكتورة هدى زكريا، أستاذ علم الاجتماع، أن حالة الشاب الذى أقدم على الانتحار بعد تواصله مع برنامج «شات جى بى تى» تُعد حالة استثنائية وخاصة، وتحمل سمات مرضية فى الوقت ذاته، مشيرة إلى أن البرنامج ليس مصلحًا اجتماعيًا، ولا يمكن تحميله مسئولية أخلاقية أو إنسانية لما يقدمه من معلومات. وأوضحت د.هدى أن هذا الشاب لم يكن فى حالة عقلية أو نفسية مستقرة، بل توجه إلى البرنامج ليرتكب جريمة فى حق نفسه، وهو ما يكشف عن اضطراب داخلى عميق لا علاقة مباشرة له بالذكاء الاصطناعى، بقدر ما يرتبط بضعف الوعى النفسى والاجتماعى لدى بعض الأفراد.. وأضافت أن برنامج «شات جى بى تى» أو غيره من أدوات الذكاء الاصطناعى ما هو إلا آلية تكنولوجية تعمل وفق خوارزميات، وتفتقر تمامًا إلى الإحساس الإنسانى أو المحاكمة الأخلاقية، مشددة على أن الخطأ لا يكمن فى الأداة، بل فى طريقة استخدامها. ودعت زكريا إلى ضرورة وجود توجه مجتمعى وثقافى وإعلامى عام يهدف إلى رفع الوعى بمخاطر الاستخدام الخاطئ لهذه التقنيات، من خلال توعية الشباب، وتعزيز الثقافة الرقمية، والتأكيد على أن الذكاء الاصطناعى ليس بديلًا عن الدعم النفسى أو الإرشاد الاجتماعى، بل مجرد أداة تتطلب فهماً واعياً وحدوداً واضحة فى الاستخدام. جهل المستخدم أكد الدكتور حسام النحاس، أستاذ الإعلام بجامعة بنها والخبير الإعلامى، أن التعامل مع تطبيقات الذكاء الاصطناعى، سواء «شات جى بى تى» أو غيره من البرامج، يجب أن يتم بحذر ووعى كامل، مشيرًا إلى أن الكثير من المستخدمين، خاصة من فئة الشباب، يتعاملون مع هذه التطبيقات على أنها مصدر معلومات موثوق بنسبة 100٪، وهذا فى حد ذاته خطأ جوهرى. وأشار النحاس إلى أننا نعيش بالفعل فى عصر الذكاء الاصطناعى، حيث تشهد هذه التقنيات تطورًا كبيرًا وتقدمًا ملحوظًا على مستوى عالمى، إلا أن الإشكالية الكبرى تكمن فى جهل قطاع واسع من المستخدمين، خاصة فى المنطقة العربية، بطبيعة هذه التطبيقات، وكيفية استخدامها، وحدود الاعتماد عليها. وأوضح أن هناك فهماً خاطئًا وسائدا يتمثل فى التعامل مع هذه التطبيقات وكأنها «وصية مُنزلة»، بحيث يتم تصديق كل ما يصدر عنها من معلومات ونصائح وإرشادات وكأنها صحيحة تماما، فى حين أن الذكاء الاصطناعى، رغم تطوره، يظل مجرد أداة تقنية، لا يمكن أن تحل محل الإنسان فى التفكير أو اتخاذ القرار. وأضاف النحاس أن الخطأ الآخر يكمن فى نوعية الاستخدام، فالبعض أصبح يتعامل مع هذه التطبيقات كأنها مساعد شخصى دائم، أو طبيب نفسى، أو حتى بديل عن ولى الأمر، فيلجأ إليها فى كافة القرارات اليومية، والمواقف الحياتية، سواء كانت نفسية أو اجتماعية أو مهنية.. «نعلم شخصيًا بعض الحالات-سواء من الطالبات أو بعض السيدات-أصبحن يعتمدن على هذه التطبيقات اعتمادًا كليًا فى قراراتهن اليومية، مما يمثل خطرًا حقيقيًا من عدة نواحٍ» موضحاً أن الخطر الأول هو إمكانية الوصول إلى حالة من الإدمان على استخدام هذه التطبيقات، والاعتماد الكامل عليها فى مختلف تفاصيل الحياة، مما يؤدى إلى العزلة الاجتماعية والافتقار للتفكير النقدى. وأضاف: «أما الخطر الثانى فيكمن فى أن الكثير من المعلومات والبيانات التى تقدمها هذه التطبيقات قد تكون مضللة أو غير صحيحة، لأنها غالبًا لا تستند إلى مصادر علمية دقيقة، وإنما تعتمد على تحليل البيانات المدخلة فقط، وبالتالى قد تكون مجرد دردشة، لا ترتقى إلى مستوى الاستشارة العلمية أو المنهجية». وأشار النحاس إلى أن الخطر الثالث، وهو الأخطر، يتمثل فى الأثر النفسى على بعض المستخدمين، خاصة فى حالات فقدان الثقة بالنفس، أو المعاناة من مشكلات نفسية مثل الاكتئاب، مؤكدًا أن الاعتماد على ردود تطبيقات الذكاء الاصطناعى فى مثل هذه الحالات قد يؤدى إلى اتخاذ قرارات خاطئة أو حتى السقوط فى دوامة الأذى النفسى أو الانتحار، مؤكداً أن هناك حالات فعلية تم الإبلاغ عنها على مستوى عالمى، وصلت إلى حد اتخاذ قرارات انتحارية بناءً على تفاعلات تمت عبر هذه التطبيقات. الاعتماد الأكاديمى غير مضمون وأوضح د. حسام أن الاعتماد على هذه التطبيقات فى المجالات الدراسية أو العملية يشكل خطرًا آخر، مشيرًا إلى أنه لا يمكن الوثوق بالمعلومات التى تقدمها دائمًا، خاصة أن طبيعة هذه التقنيات تجعل من الصعب التأكد من صحة ما تقدمه من بيانات أو نتائج وأن الذكاء الاصطناعى فى النهاية مجرد أداة مساعدة، لا يجب الاعتماد عليها كمرجع علمى أو أكاديمى، ويجب إخضاع المعلومات المستخرجة منها للتدقيق والمراجعة من مصادر علمية معتمدة. وفى جانب آخر لا يقل أهمية، حذر الدكتور حسام من خطر إفشاء البيانات والمعلومات الشخصية، موضحًا أن الكثير من المستخدمين، خاصة النساء، يثقون ثقة مفرطة فى هذه التطبيقات، ويشاركون تفاصيل دقيقة وشخصية عن حياتهم، معتقدين أنهم فى أمان تام.. وقال «هذه المعلومات قد تُخزن، أو يتم الوصول إليها بطرق مختلفة، خاصة إذا تم استخدامها عبر محركات البحث أو من خلال تطبيقات لا تضمن الخصوصية التامة، ما قد يؤدى إلى كوارث اجتماعية وأسرية يصعب تداركها». استراتيجية شاملة للتوعية شدد الدكتور حسام النحاس على ضرورة وضع استراتيجية إعلامية متكاملة لتوعية المواطنين بخطورة الاستخدام الخاطئ لتطبيقات الذكاء الاصطناعى، تبدأ من وسائل الإعلام التقليدية، مرورا بالمنصات الرقمية، وصولًا إلى حملات توعية فى الجامعات والمدارس. وأكد على أهمية استضافة الخبراء والمتخصصين فى هذا المجال، لتقديم المعرفة الصحيحة حول كيفية استخدام هذه التطبيقات، ووضع حدود واضحة لها، تضمن عدم تحولها من أدوات مساعدة إلى وسائل تهدد السلامة النفسية والاجتماعية للمجتمع. الإفراط خطر كما أوضح الدكتور فتحى الكومى، أستاذ العلوم الطبية الشرعية وكشف الجريمة وفسيولوجيا الأعصاب بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، أن الإفراط فى استخدام برامج الذكاء الاصطناعى مثل «شات جى بى تى» يمثل خطرا حقيقيًا على التوازن النفسى والعصبى لدى بعض الأفراد، خاصة الفئات الهشة نفسيًا مثل المراهقين. وأكد الكومى أن البرنامج، ورغم كونه أداة تقنية محايدة فى الأصل، قد يُستخدم بشكل يؤدى إلى «تشويش معرفى» وتبلد انفعالى، نتيجة الاعتماد المفرط عليه فى التفاعل الاجتماعى، مما يحدث انفصالًا تدريجيا عن الواقع. وأشار إلى أن بعض الدراسات الحديثة أظهرت انخفاضًا فى نشاط الفص الجبهى للمستخدمين الدائمين، وهو الجزء المسئول عن اتخاذ القرار والتحكم فى السلوك، مما قد يهيئ البعض للإقدام على قرارات خطرة مثل إيذاء الذات أو الانتحار، خاصة عند غياب الرقابة الأسرية والدعم النفسى.. ودعا الكومى إلى ضرورة فرض ضوابط تربوية ونفسية على استخدام هذه الأدوات، ورفع الوعى المجتمعى بمخاطر الإفراط فى استخدامها، مع دمج الجانب الوقائى فى المدارس والمؤسسات التعليمية لتقليل الآثار السلبية المحتملة. قاتل صامت بينما قال الدكتور وليد هندى، استشارى الصحة النفسية، إن برنامج «شات جى بى تى» يجب ألا يُنظر إليه كأداة تقنية عادية، بل هو بمثابة «القاتل الصامت» لقدراتنا الذهنية، والمعطل لإرادتنا ومهاراتنا العقلية التى قد نحتاجها يومًا ما ولكن لن نجدها، لأنه يعطل بعض العمليات المعرفية داخل الدماغ. أضاف هندى أن «شات جى بى تى» يؤدى إلى «تآكل الدماغ»، ويؤثر على سلوك الإنسان من خلال القراءة الكاريزمية لشخصيات المستخدمين، ما يجعلهم ضحايا للتحكم، وكأنهم دُمى تُحرّك بخيوط خفية. وأشار إلى أن الأمر قد يصل ببعض المستخدمين إلى حد الانتحار. وكشف هندى عن واقعة انتحار مراهق بعد سرقة جهاز «البلتيز» من أسرته، زاعما أن ذلك جاء بتأثير مباشر من تعليمات حصل عليها من «شات جى بى تى» كما أشار إلى حالتين أخريين الأولى فى بلجيكا عام 2023 لرجل انتحر بناءً على محادثات مع البرنامج، والثانية فى الولاياتالمتحدة عام 2024. وأوضح استشارى الصحة النفسية، أن هناك دراسة نشرت فى عام 2025 عن إحدى الوكالات، كشفت أن «شات جى بى تى» يقدم نصائح خطيرة للمراهقين تتعلق بالمخدرات والانتحار.. كما أجرى مركز «مفتاح الكراهية الرقمية» تجربة بحثية قام فيها الباحثون بانتحال شخصيات مراهقين، وجمعوا 1200 رد من البرنامج، تبين أن العديد منها يحتوى على محتوى خطر قد يُحفز على الانتحار.. أضاف هندى أن البرنامج ساهم فى ظهور مرض نفسى جديد أُطلق عليه «ذهان الذكاء الاصطناعى»، والذى ينتج عن الانغماس المتكرر فى العالم الافتراضى، مما يؤدى إلى نوبات من الوهم وجنون العظمة موضحاً أن جامعة «كرفولنى» سجلت 12 حالة تلقت علاجا من هذا النوع من الذهان مؤخرا، وأن المراهقين والأطفال هم الأكثر عرضة لهذا التأثير، لأنهم «سهلوا الانقياد»، يثقون فى المجهول ولا يدركون العواقب، ولديهم ميل للاستهانة بالمخاطر. وضرب مثالًا ب«ظاهرة بروميثيوس» فى الأساطير اليونانية، الذى كان يتخفى بأشكال متعددة للهروب من أعدائه، مما يعكس كيف يمكن للمراهق أن يتوحد نفسيا مع «شخصية» البرنامج ويتصرف مثلها. هروب من الواقع كما أوضح هندى أن الشعور بالوحدة النفسية هو أحد الدوافع الأساسية للجوء إلى «شات جى بى تى». واستشهد بدراسة أُجريت فى مركز «دلوب» عام 2023، أظهرت أن واحدًا من كل أربعة أشخاص يعانى من شعور بالوحدة، وأن هناك مليار شخص على مستوى العالم يبحثون عن بدائل رقمية للتواصل، وأن القلق العام والخوف من العلاقات السامة، يدفع بعض الأشخاص للجوء إلى «شات جى بى تى» كملاذ هروب من الواقع. وأشار إلى أن هذا الاعتماد المتزايد يؤدى إلى «تسطيح ذهنى»، كما ورد فى دراسة بجامعة «فلسوف» عام 2024، حيث يصبح الإنسان غير قادر على التفكير بعمق، ويكتفى بالتعامل مع السطحيات. وأوضح هندى أن البرنامج يعتمد على مخاطبة العواطف والغرائز بطريقة سرية، مما يدفع البعض للدخول فى علاقات غير مرغوب بها، كما أنه يقلل من الاحتياطى المعرفى للإنسان، ويؤثر على مرونة الدماغ فى حل المشكلات، ومعالجة المعلومات، واتخاذ القرارات، وأن من مغريات البرنامج أيضًا، استخدامه المستمر للمديح والإطراء مثل«رائع»، «جميل»، «أحسنت»، دون تقديم نقد حقيقى أو الدخول فى نقاش ندى، ما يجعل المستخدم يشعر بالراحة الزائفة، فيدمن استخدامه، ويبدأ فى الاعتماد عليه بصورة قد تفضى إلى الانتحار. أضاف هندى أن هناك دراسة أُجريت فى الولاياتالمتحدة، ووجدت أن الإنسان يحتاج فى المتوسط إلى 15 صديقا، بينما المعدل الحقيقى فى أمريكا لا يتجاوز 3 أصدقاء، ما يدفع الأفراد للبحث عن «صداقات» رقمية مع برامج مثل «شات جى بى تى»، وأن هناك دراسة أُجريت عام 2025 على 58 طالبًا من جامعة «بوستن»، أظهرت أن الاستخدام المفرط ل«شات جى بى تى» يؤثر على «الفص الجبهى» فى الدماغ، وهو الجزء المسئول عن التفكير واتخاذ القرار، كما أظهرت دراسات عبر التخطيط الكهربائى للدماغ أن هذا الاستخدام يقلل من كفاءة المعالجة المعرفية والاستنتاج واتخاذ الأحكام، ما يؤدى إلى ضعف القدرة على اتخاذ قرارات تتعلق بالحياة، أو حتى إدراك فكرة الانتحار. واختتم هندى أن هذا النوع من الإدمان من أخطر ما يواجه الإنسان اليوم، حيث يسلب الإرادة دون أن يشعر، ويخلق حالة من الانشغال الذهنى المزمن، بحيث يهرب الشخص إلى البرنامج مع كل ضغط يتعرض له فى حياته اليومية محذراً من الوقوع فى هذا الفخ، داعيًا إلى ضرورة التوعية والتثقيف والاعتماد على العلاقات الإنسانية الحقيقية، والابتعاد عن الإغراق فى العالم الرقمى، حتى لا يُلقى بنا فى «التهلكة». مبرمج الروبوت قال اللواء نبيل محمود حسن أستاذ القانون الجنائى بكلية الشرطة، إن مسألة تحريض روبوتات الدردشة مثل «شات جى بى تى» على الانتحار أو القتل تقع المسئولية فيها بشكل مباشر على مبرمج الروبوت، إذا صدر عنه كلام يتضمن تحريضا على هذه الأفعال، ويعتبر ذلك فعلا معنويا، فإذا وجدت علاقة سببية بين التحريض ووقوع الجريمة، تتم معاقبة المسئول جنائيا سواء بالحبس أو التعويض، وأضاف أن الاتحاد الأوروبى أصدر قانونا ينظم مسئولية الذكاء الاصطناعى عن المحتوى المقدم للمستخدمين، كما أن «معاهدة بودابست» فى المجر عام 2020 طالبت الدول بتطوير تشريعاتها بما يؤدى إلى تجريم الأفعال المتعلقة بالاعتداء على الحياة الخاصة باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعى، وحاليًا أصبحت الدول ملزمة من خلال معاهدات دولية تحت مظلة الأممالمتحدة، كما أبرم أيضا الاتحاد الأوروبى بالفعل اتفاقيات تُلزم جميع دوله بتطبيق معايير تمنع أن ينتج عن الذكاء الاصطناعى محتوى يشكل جريمة أو خطرًا على المستخدمين، وفى حال وقوع الجريمة تقع المسئولية على الطرفين المستخدم ومبرمج الروبوت، إلا أن الأمر يختلف فى حالات القتل أو الانتحار، حيث تكون المسئولية بشكل أكبر على الروبوت المحرّض. قضية تحريض وفيما يتعلق بالقانون المصرى، أكد اللواء نبيل أن المحاكم تطبق القوانين التقليدية على مثل هذه القضايا باعتبارها قضايا تحريض، خاصة إذا أثبت التحقيق أن الذكاء الاصطناعى كان سببًا فى زرع الشك أو دفع المستخدم إلى ارتكاب الجريمة. كما أشار إلى أن القانون رقم 175 لسنة 2018 وضع عقوبات لجرائم تقنية المعلومات تشمل الحبس والغرامات المالية، وقد عدل لاحقا فى عامى 2020 و2022 لمواكبة التطور المستمر للتكنولوجيا ومواقع التواصل الاجتماعى، ولا تزال هناك حاجة إلى تعديلات إضافية لضمان تحقيق العدالة.