مضى عامان.. لم تجن إسرائيل سوى أن تكون المنبوذة عالميا.. والمهزومة المنهارة.. ولم تجن أمريكا غير أن تكون المعزولة.. وجنت المقاومة نصرا.. وتيارا جارفا من الحب والدعم للشعب الفلسطينى وإقامة دولته. ما أحوجنا هذه الأيام إلى روح انتصارات أكتوبر.. روح العزيمة.. الإرادة.. التحدى.. الاتحاد.. الثقة بأنفسنا وقدراتنا.. الاستعداد بالعدد والعتاد.. تهب علينا نسائم العزة والكرامة والنصر فى ظروف لم تشهدها المنطقة العربية منذ ما يزيد على مائة عام.. اتفاقية سايكس - بيكو المشئومة التى شرذمت العرب فى غفلة منهم.. مرورا بإنشاء دولة الكيان الصهيوني.. ظروف تعيشها المنطقة العربية.. وتلوح فى الأفق مؤامرة ضياع فلسطين التى خاضوا من أجلها جميع الحروب على مدى الصراع العربى الإسرائيلى.. ظروف لأول مرة يعلن قادة إسرائيل منذ نشأتها عن نواياهم صراحة.. بالهيمنة على المنطقة سياسيا واقتصاديا وجغرافيا بإنشاء دولة إسرائيل الكبرى.. قالوها ودون مواربة.. نحن نعيش فرصتنا التاريخية التى يجب أن نغتنمها لتحقيق كل أحلامنا.. وما هي.. احتلال أراض عربية.. طرد الفلسطينيين من وطنهم.. هدم المسجد الأقصى وإقامة هيكل سليمان حسب زعمهم.. آخر تصريحات الإمبراطور العارى نتنياهو.. قال.. أمام مصالحنا لا توجد خطوط.. لا حمراء.. ولا زرقاء.. كل شىء مباح! يبدو أن الصهاينة لم يستوعبوا الدرس الذى جعل من عيدهم «عيد كيبور - يوم الغفران» فى أكتوبر 1973 إلى أيام الأحزان.. لم يستوعبوا صفعة الهزيمة التى لطمها لهم الجيش المصرى فى حرب من أمجد أيام التاريخ العربى.. حينها ذاقوا المرارة ولطموا الخدود.. وهرولت رئيسة وزرائهم جولدا مائير إلى أمريكا.. أنجدونا نحن فى طريقنا للفناء من على وجه الأرض.. وصرخ جميع القادة الإسرائيليون.. النجدة.. أغيثونا.. وفتحت أمريكا مخازن سلاحها وخزائن أموالها.. وجندت ساساتها ودبلوماسييها للعمل بإمرة وفى خدمة الصهاينة.. أمضت إسرائيل سنوات بعد هزيمتها عام 73 فى شبه مصحة نفسية «ليس تشبيها».. لعلاج حالة الصدمة وفقدان الثقة لدى شعبها.. ومحاولة نسيان مرارة الهزيمة وطى الأحزان.. وكلها لم تعالج إلا بموت الأغلبية الكبيرة ممن عاشوا تلك الأيام.. وبالمناهج التعليمية المزيفة التى عادوا يكررونها.. إسرائيل التى لا تهزم.. وتواكب معها الكثير من الكتب والوثائق المزيفة والأفلام السينمائية التى حاولت أن تضع نصرا بالوهم والكذب. ولكن قبل أن يتعافوا على مر الأجيال من الهزيمة فى عيدهم عام 73، تأتى الأقدار بلطمة المقاومة الفلسطينية فى عيدهم أيضا فى 7 أكتوبر 2023.. ويصرخون للمرة الثانية.. أنجدينا يا أمريكا.. أنقذونا.. نحن فى طريقنا للفناء.. هبت أمريكا.. وهب معها أتباعها.. ليس بالمساعدة فقط، وإنما بالهرولة إلى تل أبيب لتجفيف دموعهم و»الطبطبة» عليهم والتأكيد لهم نحن معكم حتى تقضوا على حماس وفصائل المقاومة الأخرى.. وتحرير أسراكم فى غزة.. ومرة أخرى فتحت كبرى دول العالم وفى المقدمة منهم أمريكا مخازن أسلحتها وخزائن أموالها.. وقدمت خبراءها العسكريين وسخرت أقمارها الصناعية ليخوضوا حرب إبادة الأكثر عارا فى تاريخ الإنسانية.. قصف على مدى الليل والنهار.. طائرات.. قنابل.. مدافع.. صواريخ.. وكلها الأكثر فتكا والأحدث تكنولوجيا فى جيوش العالم. مضى عامان لم تجن إسرائيل سوى هزيمة مدوية.. لتكون الدولة المنهارة.. المنبوذة عالميا.. بكل شمول معنى الكلمة.. ولم تجن أمريكا غير أن تكون المعزولة.. الدولة الوحيدة فى العالم التى تتخذ موقفا مغايرا للإنسانية وكل مفاهيم قيم العدالة والسلام.. وجنت المقاومة نصرا فلسطينيا مدويا.. لم يحدث عالميا فى تاريخ القضية الفلسطينية.. عدة آلاف من شباب المقاومة وبالأسلحة البدائية فى مواجهة أكبر جيوش العالم - أمريكا وإسرائيل.. عامان لم تجن إسرائيل سوى الخيبة.. لا قضوا على حماس.. ولا حرروا أسراهم.. حتى لو أبادوا غزة وقتلوا مئات الآلاف.. تحرير الأرض ثمنه دم الشهداء. المقاومة لا تموت خطة السلام الأمريكية فى غزة.. ما هى إلا احتلال بوجه جديد.. فى علم الحروب المنتصر يملى شروطه.. ولكن هذه الخطة إملاءات وشروط من المهزوم على المقاومة المنتصرة.. ما فشلت فيه إسرائيل بالحرب تحققه لها أمريكا بالسياسة.. ولكنهم جميعا نسوا أن المقاومة لا تموت حتى تحرير أرضها.. إذا أبادوا الشعب.. وطردوا المقاومة.. ونزعوا السلاح.. لن تموت.. فى يوميات سابقة فى نوفمبر 2023 قلت لن تستطيعوا القضاء على حماس فهى فكرة.. والفكرة لا تموت وتتوارث عبر الأجيال.. وبلينكن فى آخر يوم له كوزير خارجية قال فى 2024 أبلغنا إسرائيل أنكم لن تستطيعوا القضاء على حماس.. وفى 2025 قال القادة العسكريون والساسة الصهاينة.. حماس لن تموت.. حماس فكرة ولابد من صفقة.. لتأتى خطة بلير وكوشنر المسماة خطة أمريكية لتحقق نصرا لإسرائيل وتنقذها من المقاومة وتوفر لها الأمان.. هذا وهم مؤقت.. لتعود المقاومة من جديد ولو بعد سنين. الأولة فى القتال أسعد لحظاتى عندما أمسك كتابا جديدا عن نصر أكتوبر وبطولات جيشه العظيم.. فخر أمجاد العرب.. ومن أجمل ما تقرأ هذه الأيام.. إذا كنت تريد المعلومة الأصدق.. وتعايش روح اللحظة وصدق مشاعرها.. خذها ممن امتلك المعرفة والتجربة وهما سلاح الكاتب الصحفى والمؤرخ العسكرى محمد على السيد.. لديه المعرفة بالعلوم العسكرية وتاريخ الحروب فى العالم.. وامتلك التجربة كمحرر عسكرى لمجلة آخر ساعة على مدى سنوات طويلة.. وهو حريص على أن يثرى المكتبة المصرية والعربية فى هذه الذكرى بالجديد.. ينقب ويبحث ويتحرى عن بطولات ومعلومات لم نعرفها عن معارك وانتصارات 6 أكتوبر 1973، وما سبقها من السنوات الست لحرب الاستنزاف.. وفى الذكرى الثانية والخمسين التى نحتفل بها هذه الأيام أصدر محمد على السيد كتابه الجديد.. الجزء الثانى من حكايات الاستنزاف والنصر بعنوان «الأولة فى القتال.. الله أكبر».. الصادر عن سلسلة العبور بالهيئة العامة لقصور الثقافة.. الكتاب ترحال مع آلة الزمن عايش المؤلف فيها أجمل لحظات عمر أى مصرى وعربي. محظوظ محمد على السيد أن عايش عن قرب هذه البطولات.. معرفة ولقاءات.. ومشكور أنه لم يبخل علينا بتسجيل هذه اللحظات.. أشخاصا.. أماكن.. أحداثا وبطولات لنعايشها معه ولو كان بعد حين.. مهما مرت أيام وسنين.. وقرون سوف تستمر حية فى عقولنا ووجداننا.. سوف تستمر يقظة فى ضمائرنا لأى لحظة مستعدين فيها لشد الزناد إذا اقتضى الحال.. كم أتمنى أن أروى كل قصة تناولها الكتاب فى فصوله الأربعة والثلاثين.. كل فصل فيها قصة بطولة.. تثرى الروح.. كل قصة ملحمة ترويها الأجيال.. ويتوارثها الأحفاد عن الآباء والأجداد. الكتاب ليس عرضا لقصص البطولات فقط، ولكنه يوثق أيضا للحظات بداية حرب أكتوبر.. وكيف تحقق النصر.. لا غنى لأى مكتبة عامة ومكتبتك الشخصية عن وجود كتاب «الأولة فى القتال.. الله أكبر» بين محتوياتها الثرية. سر الهرولة السورية موقف مريب.. فى الوقت الذى احتلت فيه إسرائيل أراضى سورية جديدة بعد قدوم أحمد الشرع وجماعته لحكم سوريا.. فى الوقت الذى تدك فيه إسرائيل كل يوم مواقع الجيش السورى.. وتعلن أن هدفنا القضاء على قدرات سوريا العسكرية.. فى الوقت الذى تسعى فيه إسرائيل لزرع الفتنة بين أطياف الشعب السورى.. فى الوقت الذى يعلن فيه نتنياهو أن إسرائيل وأمريكا ساعدا الشرع للوصول إلى الحكم مقابل التنازل لإسرائيل عن ثلاث محافظات حدودية مع العراق وتركيا.. وهى بالطبع فى إطار مخططها المستقبلى لإسرائيل الكبرى بقضم أراض من الدولتين.. وفى الوقت الذى تسعى فيه إسرائيل وأمريكا إلى تقسيم سوريا إلى خمس دويلات «سنة.. شيعة.. دروز.. أكراد.. علويين». كل هذا.. وكأن سوريا لا علاقة لها بما يحدث.. وكل همها الهرولة للتطبيع مع العدو الإسرائيلى تحت مسمى اتفاق أمنى.. وتجرى المفاوضات المباشرة بشأنه على عجل.. فما سر الهرولة السورية للتطبيع مع الكيان الصهيونى.. سؤال مشروع ولكنه محير.. الإجابة عنه تفتح أبواب جهنم. الأيام ستكشف عن الصفحات الأكثر سوادا فى التاريخ العربي؟! همس النفس أجوب الديار هائما.. ولا أجد لدمعى شافع.. هجر الكرى عينى والحبيب فى ليله هاجع.. فرق الزمان بينا.. أحيا بذكرى أيام كان الهوى فيها عشق ساطع.. فى القلب أوجاع.. وبعادك تهون معه كل المواجع.