في عصرنا الحالي باتت كرة القدم لا يوجد بها شيء للصدفة أو ضربات الحظ.. كل شيء سواء كان كبيرًا أو أصغر تفصيلة تكون لها معنى وقيمة وقد تصل إلى حد أنها تفرق في تحديد البطل. ففي مشهد قد يبدو عابرًا لكل من يشاهده إلا أنه يلخص روح كرة القدم الحديثة، التقطت الكاميرات «فوطة صغيرة» موضوعة بجوار خط التماس في قمة أرسنال ومانشستر سيتي التي جمعتهما الجولة الماضية بالدوري الإنجليزي وانتهت بالتعادل 1-1 بينهما. قطعة قماش لا تساوي شيئًا، لكنها في عقل مدربي اليوم أصبحت أحد الأسلحة الخفية، حيث تساعد في تهيئة الكرة لرمية تماس قد تقلب المباراة رأسًا على عقب. هكذا أصبحت اللعبة التى نعشقها.. لعبة تفاصيل دقيقة، حيث لا يُترك شيء للصدفة. فالكرات الثابتة تحولت إلى كنز ثمين لمن يعرف كيف يستغله، وآرسنال خير دليل على ذلك.. فمع ميكيل أرتيتا المدير الفني ونيكولاس جوفر مدرب الكرات الثابتة صارت كل ركنية وكل ركلة حرة خطة كاملة بحد ذاتها يتدرب عليها اللاعبون كطريق جديد لهز الشباك.. ◄ اقرأ أيضًا | أرتيتا: آرسنال استحق الانتصار على نيوكاسل والنتيجة جاءت مبهرة: حيث تمكن الفريق من تسجيل عشرين هدفاً من كرات ثابتة في الدوري الإنجليزي الموسم الماضي 2024 - 2025، ستة عشر منها من الركنيات وحدها، أرقام تؤكد أن التدريب الدقيق والانضباط التكتيكي قادران على منح الفريق قوة إضافية توازى قيمة أفضل المهاجمين.. حتى رمية التماس، التي طالما اعتبرها الجمهور مجرد وسيلة لإعادة اللعب، تحولت إلى طلقة هجومية يتم تجهيزها بعناية.. ومجرد فوطة صغيرة لتجفيف الكرة، ولاعب مدرب على إرسالها لمسافة بعيدة، وتحركات متفق عليها داخل منطقة الجزاء تجعل التماس أشبه بضربة ركنية مباغتة. فكرة بدأها برينتفورد مع توماس فرانك المدرب حين ذاك ونجح فى إثبات تفوقه فيها وأفادت الفريق فى العديد من الانتصارات ثم اجتاحت الفكرة إنجلترا كلها لتصبح جزءاً أساسياً فى خطط الفرق الطامحة للبطولات.. وعلى النقيض فريق مثل ويست هام لا يملك مدربًا للكرات الثابتة الذى بات عنصرًا أساسيًا في معظم الفرق حاليًا فكانت النتيجة أنه في الدوري هذا العام استقبل سبعة أهداف في خمس جولات فقط.. ومن زاوية أخرى فمثل أى شيء «لكل فعل رد فعل» فمع نجاح الكرات الثابتة فكان لا بد من إيجاد سلاح ردع لها وهذا ما قد يكون فعله بيب جوارديولا مدرب السيتى وحارس مرمى الفريق الجديد دوناروما. ففي مقالة مطولة لميجيل ديلانى كبير كتّاب كرة القدم فى صحيفة «الإندبندنت» سرد وتساءل أن أرسنال حقق نجاحاً أقل بكثير فى الركلات الركنية أمام السيتى مقارنة بأى مباراة خلال العامين الماضيين. فهل يعد هذا تطوراً محتوماً فى هذه الديناميكية، كاستجابة ورد فعل متبادل؟ وهل سيعمل مدربو الكرات الثابتة على فرض نهج جديد من حراس مرمى الخصوم؟ قائلاً: إن دوناروما بدا وكأنه يتلاعب بعقول لاعبي آرسنال - مما جعلهم يفرطون في التفكير- حين بالغ فى إبطاء تنفيذ ركلات المرمى إلى درجة استفزت الجانرز وتلقى بسببها بطاقة صفراء في النهاية. فالخلاصة ما كان يوماً مجرد تفصيل جانبي أصبح اليوم ساحة صراع حقيقية في عالم كرة القدم الحديثة، فقد تساوي «فوطة» موضوعة على الخط هدفاً في توقيت قاتل، وقد يكون تدريب إضافي على الكرات الثابتة هو الفارق بين لقب يكتب في التاريخ وخروج مرير من المنافسة. أرسنال فهم الدرس مبكراً، فحوّل هذه اللمسات الدقيقة إلى سلاح يضرب به أقوى الخصوم، ليؤكد أن أسرار المجد قد تختبئ أحياناً في أصغر الأشياء.