قبل الدخول فى سؤال «ماذا بعد الاعتراف بالدولة الفلسطينية؟» لا بد أولاً من رسم سريع للمشهد الراهن فى غزة.. ففى الأسابيع الأخيرة أعلنت عدة دول غربية اعترافها بالدولة الفلسطينية، فى خطوة رمزية تهدف إلى دعم حل الدولتين والضغط على إسرائيل لإنهاء الحرب فى غزة. وفى الأممالمتحدة كشف الرئيس الأمريكى دونالد ترامب عن عزمه طرح خطة سلام من 21 نقطة، وعقد اجتماعًا مع زعماء عرب ومسلمين لعرض رؤيته لإنهاء الحرب وإعادة إعمار القطاع. لكن على أرض الواقع، ما زال القتال مستمرًا، والأوضاع الإنسانية فى غزة كارثية، بينما تتعثر مفاوضات وقف إطلاق النار دون تحقيق نتائج ملموسة. الاعتراف الرسمى بالدولة الفلسطينية يضفى على القضية زخمًا دبلوماسيًا، ويعزز أدوات الضغط عبر المؤسسات الدولية مثل الأممالمتحدة ومجلس حقوق الإنسان والمحكمة الجنائية الدولية، وقد يفتح الباب أمام صدور قرارات تدين ممارسات الاحتلال أو تحاول فرض حلول قانونية. غير أن العقبة الكبرى تكمن فى استخدام حق النقض (الفيتو) أو المعارضة من قِبَل قوى كبرى، وعلى رأسها الولاياتالمتحدة داخل مجلس الأمن. ورغم ذلك، قد يشكل الاعتراف الجماعى حافزًا لدول أخرى مترددة فى الإقدام على هذه الخطوة خشية تداعياتها السياسية مع إسرائيل، كما أنه يضع الأخيرة تحت ضغط أخلاقى ودبلوماسى متزايد. وفى أفضل السيناريوهات، يمكن أن يُستثمر هذا الاعتراف لتشكيل جبهة دولية تضغط على إسرائيل للجلوس إلى طاولة المفاوضات حول قضايا جوهرية مثل الحدود وعودة اللاجئين والقدس والأمن والسيادة، لكن ذلك يظل مرهونًا بوجود إرادة جادة لدى إسرائيل والداعم الأكبر لها، الولاياتالمتحدة. فالاعتراف وحده لا يغير الواقع إذا لم يُترجم إلى خطوات عملية مثل إنهاء الاحتلال، انسحاب القوات الإسرائيلية، إعادة إعمار غزة، ضمان أمن الدولة الفلسطينية، والسيطرة على حدودها. بعض المراقبين يحذرون من أن إسرائيل قد تفسّر هذه الاعترافات على أنها دعم لحركة حماس أو «مكافأة للإرهاب»، وهو ما عبّر عنه ترامب فى خطابه بالأممالمتحدة، معتبرًا أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية «يكافئ أعمالًا مدمرة» قامت بها حماس. هذه الرؤية قد تدفع إسرائيل إلى تشديد سياسات القمع أو تعطيل أى خطوات عملية على الأرض. كما أن غياب التوافق الفلسطينى الداخلى بين فتح وحماس وبقية الفصائل يجعل أى خطوة اعتراف دولى أقل جدوى، وقد يضعف مصداقية أى سلطة تفاوض باسم «الدولة الفلسطينية». يظل الاعتراف بالدولة الفلسطينية خطوة رمزية مهمة، لكنه لن يتحول إلى إنجاز فعلى إلا إذا رافقته آليات تنفيذية ودعم دولى قوى. أما خطة ترامب واجتماعه بالزعماء العرب والمسلمين فقد يوفران إطارًا أوليًا أو «خارطة طريق»، لكنهما سيبقيان بلا جدوى إذا لم يُدعما بأدوات ملزمة وضمانات دولية. ونجاح أى مبادرة فى هذا السياق يظل مرهونًا بإرادة إسرائيل والولاياتالمتحدة، وبقدرة العرب والمجتمع الدولى على تحويل الاعترافات والتصريحات إلى واقع ملموس يغيّر حياة الفلسطينيين على الأرض.