تعتمد شريحة من القراء على التواصل عبر مواقع التواصل الاجتماعى «السوشيال ميديا» والتطبيقات المهتمة بالكتب، من خلال البث المباشر أو الندوات التفاعلية فى مجموعات القراءة، ولا يستهويهم حضور الندوات الواقعية التى تُقام فى المكتبات أو الأماكن الثقافية، سواء الرسمية أو غير الرسمية، لكن هذه الأشكال من التواصل بين الكاتب وقرائه لها جذور قديمة، إذ بدأت من خلال صالونات أدبية وثقافية فى القرن السابع عشر بأوروبا مثل صالون «ماركيز دو رامبوييه» فى فرنسا، الذى وُصف بأنه تجمع للنقاش الأدبى والاجتماعي، أما فى العالم العربى فقد ظهر الشكل الحديث للصالون فى القرن التاسع عشر على يد «ماريانا مراش» التى أنشأت صالونًا نسائيًا فى حلب، ثم صالون الأميرة نازلى فاضل فى القاهرة المهتم بالقضايا الأدبية والسياسية، والصالون الأشهر لمى زيادة الذى حضره كبار المثقفين، إلى جانب صالون العقاد. اقرأ أيضًا | رئيس بورسعيد السينمائى: حاربنا سنوات للحصول على تراخيص المهرجان و34 دولة تتنافس فى دورته الأولى هذه الصالونات كانت النواة الأولى لفكرة الندوات والفعاليات الثقافية، حتى وإن ظل جمهورها نخبوياً ومحدودًا، ومع مرور الوقت تطورت لتشمل جمهورًا أوسع، فظهرت فعاليات رسمية وغير رسمية فى المراكز الثقافية والمكتبات، استمرت لعقود ولا تزال قائمة، حتى جاءت التكنولوجيا لتفتح فضاءً جديدًا. اليوم بات جمهور عريض مرتبطًا بالإنترنت، فهناك قنوات متخصصة بالكتب بالعربية يتجاوز متابعوها مئات الآلاف، إلى جانب مجموعات القراءة التى تتيح تفاعلًا مباشرًا بين الكتاب والقراء دوريًا عبر اللقاءات الافتراضية، يطرح هذا التحول سؤالًا جوهريًا: هل أصبح هذا التطور هو الشكل الأكثر أهمية، والقادر على البقاء أكثر من اللقاءات المباشرة؟ وكيف ينظر الأدباء إليه؟ قد يبدو أن الأديبة هالة البدرى تنتمى لجيل أدبى ضد «التكنولوجيا»، لكن تجربتها فى هذا المجال ثرية وتقول عنها: «نظمت صالونات أدبية فى بيتى من واقع قناعتى بأهمية الحوار والتفاعل الثقافي، وخلال فترة كورونا كانت اللقاءات «أونلاين»، واستمر هذا الشكل الافتراضى بعد ذلك بالتوازى مع الحضور الواقعي، لأننا كسبنا شريحة جديدة من الجمهور، ووصلنا إلى دول عربية وأجنبية ناطقة بالعربية، حتى إننا أقمنا ندوة باللغة الإنجليزية «أونلاين» مع نادى القلم. أعجبتنى فكرة الاحتكاك بجمهور من الكتاب والنقاد فى العالم دون أن نغادر موقعنا. كما تحولت ندوة (حوار) فى المجلس الأعلى للثقافة إلى بث مباشر منذ كورونا وحتى الآن، مما أتاح جمهورًا أكبر من الحضور التقليدي، مع إمكانية إعادة الاستماع إليها فى أى وقت. «التكنولوجيا» تطور لا بد من مواكبته، حتى لو خسرنا وجودنا معًا فى مكان واحد وتبادل الأحاديث بعد الندوة». وتتفق معها الأديبة لنا عبد الرحمن وتجد أن المفاضلة بين النوعين غير محسومة: «لا يمكن الجزم ما إذا كانت الصالونات الواقعية هى الأفضل، أو إذا كانت الافتراضية تحقق مزيدًا من التفاعل عبر صفحات الكتب والمجموعات التى تهتم بالقراءة، آليات التلقى الثقافى أصبحت مختلفة. من ناحية أخرى تساعد الندوات الإلكترونية عبر منصات مثل «زووم» على تحقيق تواصل بين أدباء يقيمون فى بلدان مختلفة. مثلًا، هذا الأسبوع شاركت فى ندوة وكان المشاركون موزعين على دول عدة. هذه الندوة الافتراضية وفرت التواصل، وصحيح أن الوجود الواقعى والتفاعل المباشر لا غنى عنه، لكن الافتراضى أصبح لا يقل أهمية عنه». من جهة أخرى، ترى الأديبة ضحى عاصى أن اللقاءات الواقعية لا يمكن أن تفقد سحرها، فتقول: «اخترت أن يكون صالونى مباشرًا، لأن التفاعل وجهًا لوجه له جاذبية خاصة لا يمكن للشاشات نقلها، الندوات الحية تمنح الحضور فرصة لتبادل الأفكار مباشرة، وملاحظة لغة الجسد، والاستمتاع باللحظات العفوية والنقاشات المثرية، كما أن الحوارات الجانبية والتفاعل بعد اللقاء يؤديان غالبًا إلى شراكات جديدة وفرص للتعارف، مما يرفع مستوى التفاعل الثقافي». ومن زاوية مختلفة، ترى الأديبة نورا ناجى أن التجربة الافتراضية حلت إشكالية مركزية العاصمة، موضحة: «مع بداية جائحة «كوفيد» ظهرت الفعاليات والنقاشات «الأونلاين» كبديل لمواجهة ظروف الإغلاق، وأثبتت نجاحها فى إبقاء الحوار مفتوحًا واستمرار التواصل بين القراء والكتاب، وحتى بين الكتاب بعضهم البعض، ومع انتهاء الأزمة لم تختف التجربة بل استمرت واتسعت، مدفوعة بتأثير «السوشيال ميديا» المتزايد. ورغم أن البعض يفضل اللقاءات الواقعية الحية لما تمنحه من دفء وتواصل مباشر، فإن الفعاليات الافتراضية وفرت ميزة لا يمكن إنكارها: كسر مركزية العاصمة، وإتاحة الفرصة للمشاركين من المدن البعيدة أو المقيمين خارج مصر للانخراط فى أنشطتهم الثقافية». أما الأديب محمد الفخرانى فلا يملك حسابات على وسائل التواصل الاجتماعى من الأساس ولا يجد فى هذا ما يحد تواصله مع القراء ويقول: «لم أشعر بالقلق أبدًا من غيابى الشخصى عن «السوشيال ميديا»، فالغياب الشخصى لا علاقة له بالحضور الأدبي. ألمس هذا فى الفعاليات التى أحضرها، صغيرة كانت أم كبيرة. حضورى لأى ندوة، حتى لو كانت مرتبطة بكتاب لي، يعتمد على مزاجى ووقتى الشخصي. أذهب إلى الندوة من أجل المتعة لا للترويج لكتابي، الندوة بالنسبة لى مثل نزهة أو جلسة مقهى؛ أبحث فيها عن متعة فقط، أحيانًا أحضر لمجرد رؤية وجوه جديدة أو لقضاء وقت مع أجيال مختلفة، خصوصًا الأجيال الجديدة، قد أقضى دقائق وأشارك برأى أو لا أشارك، وقد يحدث أن أحضر ثلاث ندوات فى شهر».